كانت وستبقى لحظة تاريخية يوم السابع من تشرين اول "أكتوبر"، *بأحرف من نور رباني سجّلت المقاومة "من القسام والسريا وشهداء الأقصى وأبو علي مصطفى ولجان المقاومة الوطنية وغيرها" واقع جديد للمنطقة ككل، له ما بعده في قادم الايام ، وعندما نستشرف ما يمكن ان يكون، هنا يرتبط الأمر بطبيعة تداعيات المعركة القائمة حاليا من حيث توسعها أو بقاءها على ما هي عليه الآن، أي بين المقاومة وإسرائيل.
ملفات وأزمات
قبل الدخول في ما يمكن أن يحدث في الأيام والأسابيع القادمة، نشير إلى أننا قلنا سابقا ما يلي:
أولا- المعركة القادمة سيكون عنوانها القدس وفي قلبه الأقصى.
ثانيا- المعركة القادمة ستبدأ في غزة وسوف تتدحرج اقليميا لتصل إلى ضرب إيران.
ثالثا- وجود هاليفي رئيس الأركان وهو مختص في الحرب الإستراتيجية يعني أن هناك توجه لتوجيه ضربة إلى إيران.
رابعا- برنامج حكومة نتنياهو واليمين الصهيوني المتطرف سوف تجر المنطقة ككل الى معركة.
خامسا- الأزمة الداخلية في إسرائيل ستؤدي بالضرورة الى خلق أحداث أمنية لأجل منع التصادم الداخلي وتحويله نحو الخطر الوجودي على دولة إسرائيل من الأعداء الخارجيين.
ووفقا للمعطيات أعلاه فقد بدأت الأمور فعلا تتدحرج وبشكل سريع بحيث أن ما حدث خلالها كان يؤشر بقوة إلى أن الأزمات تتفاقم وأن الحلول الأمنية أصبحت مهيئة في ظل عدم وجود حلول أخرى وبما يشمل عدة ملفات محلية وإقليمية، وهي:
1- ملف الأزمة الداخلية في إسرائيل وإستعصاء حتى التوصل لحلول وسط.
2- ملف الأقصى والأماكن المقدسة ومحاولات فرض التقسيم المكاني وصولا لبناء الهيكل المزعوم.
3- ملف الأسرى وعدم وجود أي إختراق لتبادل أسرى بل أكثر من ذلك زيادة الضغط عليهم.
4- ملف الضفة الغربية ومحاولة فرض أمر واقع وحسم الصراع عبر السيطرة من قبل المستوطنين المدعومة من الحكومة الرسمية "سموتريتش وزير ثاني مسؤول عن الضفة" وكل شيء يتم بحماية الجيش.
5- الإيغال في قتل الفلسطيني بسهولة وتسهيل الضغط على الزناد من قبل الجيش والمستوطنين لدرجة أن عدد الشهداء وصل لأرقام لم يصل لها سابقا.
6- الملف السوري ومحاولة إعادة الوضع فيها للمربع الأول.
7- الملف النووي الإيراني وبقاء الوضع على ما هو دون التوصل لإتفاقات حاسمة فيه.
8- الملف الداخلي اللبناني وإستعصاء الحل في الوصول لإنتخاب رئيس من جهة، ومن الجهة الأخرى محاولة تفجير الوضع الأمني الداخلي عبر مخيم عين الحلوة.
9- ملف التطبيع السعودي الإسرائيلي المُستجد ضمن الصفقة التي تناقش بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية، وتداعيات ذلك على الإقليم وطبيعة التحالفات الدولية بشكل عام والقضية الفلسطينية بشكل خاص.
لذلك ما حدث من إستباق القسام والمقاومة في الهجوم المباغت على مستوطنات غلاف غزة والقواعد العسكرية فيه، ووفق خطة محكمة نترك تفاصيلها للخبراء العسكريين يشير إلى فهم المقاومة لما كان يخطط لها من قبل ليس إسرائيل فحسب وإنما من قبل الإقليم المرتهن للأمريكي والذاهب نحو خطة تطبيعية تتطلب قبل كل شيء التخلص من المقاومة في غزة بإعتبارها رأس الحربة التي ستمنع ما يخطط للقضية الفلسطينية من مشاريع تصفوية أساسها فرض الأمر الواقع الإستيطاني في الضفة وواقع سيطرة على الأماكن المقدسة في القدس بما يؤدي لتقسيمه وصولا لبناء الهيكل المزعوم، وكانت الأمور تُشير إلى أنها تسير بشكل طبيعي وبسهولة تامة لدرجة ان الغالبية العظمى إعتقدت أن القضية الفلسطينية وفرض واقع جديد على الأماكن المقدسة أصبح تحقيقه قاب قوسين أو أدنى.
"طوفان الأقصى" قلب كل المعادلات وأعاد الأمور إلى نصابها من حيث الصراع ليس الفلسطيني الإسرائيلي فحسب وإنما الصراع العربي والإسلامي مع إسرائيل كون الأقصى هو "المسرى" وهو "القبلة الأولى" وهو "ثالث الحرمين الشريفين"، هو مقدس للكل المسلم وقدر الفلسطيني أن يكون هو خط الدفاع الأول عنه، وهذا "الطوفان" أعاد البوصلة للحقيقة المطلقة بأن سبب كل ما يحدث هو وجود "الإحتلال" وليس أي شيء آخر، وأن الفلسطيني له حق "الفيتو" على اي مخططات يجري إعدادها في المنطقة إذا ما كانت ستكون ضد قضيته الوطنية في الإستقلال والحرية وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
نجحت القسام والمقاومة عسكريا في عملياتها الميدانية وفي إحداث ليس ذهول وصدمة فقط للجيش الإسرائيلي ولمجمل المنظومة الإسرائيلية السياسية والمجتمعية ككل، وإنما لكل الإقليم ذي التوجه الأمريكي وللغرب ككل وعلى رأسه أمريكا، وقلنا أن "صوت الطبل القسامي سُمع في البيت الأبيض قبل الكرياه"، اي أن الكيان الذي صنعته الطبقة السياسية الغربية في منطقتنا أصبح مهدد حتى وجوديا وأنه غير قادر على حماية نفسه، كما أن وقع ما حدث صدم بقوة كل الدول التي رأت في علاقاتها بإسرائيل ميزة وأفضلية تُعمق تحالفها مع الولايات المتحدة الأمريكية في كافة المجالات.
لكن يبقى السؤال المهم هو ما بعد طوفان الأقصى ماذا سيكون؟!!!
بداية نقول أن ما بعد السابع من أكتوبر سيكون حتما مختلف جذريا وكليا عما قبله، فالأمور وصلت لدرجات متقدمة من حسم الكثير من الملفات التي تحدثنا عنها أعلاه، حيث إرتبطت الآن بنتائج المعركة الحاسمة التي تداعياتها ستحدد واقع المنطقة ككل وليس فقط قطاع غزة و حماس والمقاومة، لذلك سنتحدث عن السيناريوهات الممكنة والواقعية ودون الغرق في التفاصيل.
سنقول أولا أن المؤسسة الحاكمة في إسرائيل من حكومة ومعارضة ومؤسسة عسكرية وأمنية إتخذت قرار إستراتيجي وبضوء أخضر أمريكي وغربي وبصمت عربي، بالقضاء والإجهاز على ما أسموه حكم حماس في غزة، وبما يترتب على ذلك من كل ما سيحدث من دمار ومجازر وتطهير عرقي وتهجير للسكان المدنيين، لدرجة أن غورا آيلاند قال " العمل الضروري من أجل إنهيار حكم حماس والتوصل إلى إحتمال، ولو ضئيل، لرؤية عودة رهائننا، هو إذا حدثت كارثة إنسانية، ولا أخجل من قول ذلك."، وهنا يُشير بوضوح إلى الفعل المقرر لغزة ومواطنيها، كما أن وزير الدفاع "غالانت" تحدث بوضوح عن نظرته للمقاومة بقوله عنهم "نحن نتعامل مع حيوانات بشرية" وبما يشير إلى أن كل مواطني غزة كذلك بإعتبار أنهم هم حاضنة تلك المقاومة.
على كل فإن السيناريوهات الممكنة الحدوث والواقعية تتلخص بالتالي:
أولا- سيناريو حرب تقترب من الإبادة ضد قطاع غزة قبل المقاومة دون أي تدخل من الجبهات الأخرى وبضوء أخضر أمريكي وغربي وبغض النظر عن أي كارثة إنسانية ستنتج عنه، وهذا ممكن ويجري تطبيقه عمليا وحتى الآن هو السائد "نحن في اليوم الرابع"، وتظهر نتائج القصف الإسرائيلي كشكل تدمير ممنهج هدفة الإنتقام من الحجر والبشر لما حدث من إذلال كبير للجيش والدولة وللكفاءة وللتكنولوجيا التي فشلت في كشف مغاوير القسام المقتحمين للجدار والأسلاك الشائكة المجهزة بأفضل ما توصل له العالم من مجسات إلكترونية وأدوات رقابية، إضافة إلى التحضير للهجوم البري الذي سيقطع أوصال قطاع غزة تحضيرا لإحتلاله لتصفية البنية التحية للمقاومة ككل ومهمها إستغرق ذلك من وقت، ولكن قد يكون للمقاومة ما تقوله وتكون قد أعدت ما يمكنها من الصمود ومنع كل هذا المخطط الشيطاني مما سيؤدي لمعادلة جديدة تكون حماس والقسام أساسها.
النتيجة: تصفية للقضية الفلسطينية من حيث مفهوم الدولة والإستقلال وإنهاء حكم حماس وتدمير المقاومة وبنيتها التحتية، وفرض تقسيم الأقصى كأمر واقع، ولاحقا الإنسحاب من القطاع وتسليمها للمجتمع الدولي والعرب والفلسطينيين المستعدين لأن يكونوا جزءا من الحل، شرط السيطرة الأمنية برقابة عربية وأمريكية، مع عقد مؤتمر دولي للمانحين وبالذات العرب لإعادة بناء القطاع، مع الأخذ بعين الإعتبار عدم تحقق هذا المخطط نتيجة لصمود المقاومة وبالتالي التوصل لهدنة ووقف أطلاق نار وتصدر حماس والقسام للمشهد الفلسطيني ككل ويؤدي لمعطيات جديدة سياسية اساسها القطاع والأماكن المقدسة.
ثانيا- سيناريو تدحرج المعركة لتشمل الجبهة الشمالية وتدخل حزب الله في المعركة وبما يعني ذلك من إمكانية تدخل أمريكي مباشر أو تكون حرب محدودة تنتهي بالتوصل لوقف أطلاق نار بضغط دولي وأمريكي بالذات، هذا سيوقف الهجوم البري على قطاع غزة ويحدد من عملية التدمير والقتل المُمنهج.
النتيجة: ضغط دولي لوقف إطلاق النار والبدء في الحديث عن صفقة سياسية لن تؤدي لقيام دولة فلسطينية مستقلة ولكنها ستوقف جنون حسم الصراع في الضفة وتقسيم الأقصى مكانيا، وستؤدي أيضا لتغيير في طبيعة النظام السياسي الفلسطيني سيكون أساسه إجراء إنتخابات عامة وستكون حماس جزء أساسي منه دون أن تكون جزءا من الحكومة المستقبلية التي سيتم تشكيلها، لكن المقاومة ستحافظ على بنيتها التحتية وعلى وجودها في قطاع غزة وبما سيؤدي مستقبلا لتحولها للجيش الفلسطيني الذي سيتم تشكيله ويبدأ من قطاع غزة.
ثالثا- سيناريو تدحرج المعركة لتشمل كل الإقليم بسبب التدخل الأمريكي والأطلسي لحماية إسرائيل وبما يعني ذلك تدخل إيران ومحورها ككل في المعركة، وهذا سيحقق رغبة نتنياهو في قصف إيران، وهذا قد يؤدي وفقا للمحلل الروسي "إلكسندر نازاروف" إلى حرب عالمية ثالثة، فهو قال "نحن أمام إما نكبة ثانية أو حرب عالمية ثالثة"، وإذا ما حدث هذا السيناريو فكل المنطقة ستدخل في معركة وسيتم ضرب كل القواعد الأمريكية في المنطقة ككل.
النتيجة: حدوث هذا السيناريو يعني التوصل لنتائج تفرض نفسها في كل المنطقة، في فلسطين وسوريا والعراق واليمن ولبنان ويؤدي لإخراج أمريكا من المنطقة ككل وفرض معطى جديد يتعلق بإسرائيل التي سيتهدد كل وجودها.
الخلاصة
وفقا للملاحظ ووفقا للمعطيات فالترجيح الأكبر هو للسيناريو الأول مع وجود درجة كبيرة للسيناريو الثاني والذي أعتقد شخصيا أنه قادم ولكن بعد حين خاصة مع التأكد من قبل محور المقاومة أن إسرائيل وأمريكا عقدوا العزم نهائيا على إنهاء حكم حماس والمقاومة وهذا سيتضح مع الهجوم البري الذي يتم التحضير له، ومهما كانت السيناريوهات نستطيع القول أن هناك نتائج قد حسمت وبغض النظر عن النتائج وتتلخص بما يلي:
1- الجيش الإسرائيلي ومنظومته الإستخبارية هزمت وفشلت وهشمت في اليوم الأول للمعركة.
2- تغيير شامل للنظام السياسي الفلسطيني.
3- إنتهاء حكومة نتنياهو والصهيونية الدينية كجزء من الحكومة.
4- معادلة جديدة في المنطقة ككل تحدد طبيعتها نتائج المعركة.
ختاما يبدو أن المعركة الدائرة الآن هي مصيرية ستحدد مصير كل الكيان الإسرائيلي لذلك إعتبر وزير دفاع الكيان "غالانت" أن إسرائيل تتعرض لمصير وجودي، وفعلا ما تم في السابع من أكتوبر هو في هذا السياق، فدولة المهاجرين والإستيطان تستند للأمن والإزدهار، وحين ينهزم جيش الأمة ويتم إذلاله وتفشل إستخباراته فوجوده لم يعد ولن يعود كما كان قبل "طوفان الأقصى"، هي ايام قليلة سيتحدد خلالها مصير هذا الكيان والمنطقة ككل، لأنه يتبين يوما بعد يوم أن كل مخططات هذا الكيان ومن معه فشلت وستفشل، لذلك على أمريكا أن توقف هذا الكيان عند حده وتبدأ في طرح تطبيق قرارات الشرعية الدولية التي تُحقق الحرية والإستقلال والعودة للشعب الفلسطيني وتمكنه في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.