اليوم تدخل معركة طوفان الأقصى يومها الثاني عشر وما يُميز ما جرى منذ السابع من أكتوبر وحتى الآن بعض الأمور التي لا بدّ من الإشارة إليها ومحاولة سبر غورها بما يوضح بعض الأمور من وجهة نظرنا بهذا الخصوص، وهذا يتلخص بالتالي:
أولا: ظهور الدعم الأمريكي والأوروبي الرسمي بشكل صارخ وفاضح بل والمشارك بشكل مباشر لدرجة أن من يقود الحرب الآن هي "الولايات المتحدة الأمريكية" سياسيا وعسكريا وعلى كافة المستويات، إن كان ذلك بالدعم المالي والعسكري أو بحضور اجتماعات "مجلس الحرب" في حكومة الطوارئ الإسرائيلية "بلينكن وبايدن"، أو حتى بمنع أي قرار دولي في "مجلس الأمن" يحاكي القضايا الإنسانية، ولدرجة أن الرئيس الأمريكي "بايدن" طلب أن يقود دبابة لاقتحام غزة، وهذا يعني أن لدى "إسرائيل" ضوء أخضر لعمل ما تُريد ودعم ليس له حَدْ.
ثانيا: تَبَيُّن الأهداف الحقيقية للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، بحيث أن الأهداف السياسية والعسكرية المُعلنة "إنهاء ما أسموه حكم حماس وتفكيك البنية العسكرية لكتائب القسام وبقية أذرع المقاومة"، ليتحول نحو الهدف الحقيقي والذي يقولوه بمليء الفم "مسح غزة من الوجود" وبما يعني ذلك من تهجير قسري وتطهير عرقي للمدنيين عبر مجزرة تتلو مجزرة وبحيث يؤدي ذلك لخلق منطقة عازلة في كل شمال غزة بدون سكانها، والباقي تهجيره في مرحلة ثانية إلى سيناء، وبما يؤسس للخطة الأكبر وهي تصفية القضية الفلسطينية وفق خطتهم مرة واحدة وإلى الأبد "الضفة الغربية يأتي دورها لاحقا في مرحلة أخرى أو يتم تنفيذها خلال ما يمكن أن يحدث من توسيع للمعركة لتشمل المنطقة ككل" لذلك نرى أن حجم ونوعية القصف الذي يتعرض له "قطاع غزة" يحاكي خطط التصفية عبر التهجير والتطهير.
ثالثا: تحول في المواقف الشعبية العربية والغربية وفي الضفة الغربية واستشعارهم بتلك الخطط ولذلك نرى تحركات تضامنية مستمرة هدفها وقف العدوان والمذبحة التي يتعرض لها كل "قطاع غزة" والتي ثبت أنه يهدف الى "تسوية القطاع بالأرض" وبغض النظر عن حجم المدنيين الذي سيسقط بسببها، ومجزرة مستشفى "المعمدانية" هي المقدمة بحيث يعمل الجيش الإسرائيلي على تحويل المجازر التي تحدث وبهذا العدد الكبير مسألة عادية بالنسبة للمشاهد والمراقب، فبدل سقوط "300" شهيد في يوم، يسقط في ضربة واحدة "500" شهيد، خاصة أن الأهداف التي يريدون تحقيقها تتطلب الإيغال في الذبح والقتل بلا حدود.
رابعا: تطور الموقف الرسمي العربي والفلسطيني الذي يستشعر بقوة أن كل ما يجري تعدى الهدف المعلن "إجتثاث القوة العسكرية والبنية التحتية للقسام وغيرها" إلى تصفية شاملة للقضية الفلسطينية وتهجير الفلسطيني من غزة والضفة إلى البلدان المجاورة.
خامسا: اتضاح عملي لا لبس فيه أن إمكانيات توسيع المعركة في المنطقة ككل أصبح قاب قوسين أو أدنى على الرغم من كل المحاولات لمنعها إن كان بما يجري خلف الكواليس أو بالتحذيرات والتهديدات ووصول حاملات الطائرات الأمريكية للبحر الأبيض المتوسط ووصول "المارينز" وقوات الرد السريع الأمريكية للسواحل الإسرائيلية وبالرغم أيضا من عدم وجود إرادة لذلك لا أمريكية ولا إيرانية، ولكن معطيات ما يحدث في الجبهة الشمالية اليومي على مدار الساعة وسقوط العديد من القتلى في الجيش الإسرائيلي لدرجة أنه إذا ما تم تِعداد عدد الآليات المُدمرة وعدد الجنود القتلى سيصل تقريبا إلى نصف كتيبة، إضافة للمعطيات التي كلها دماء زكية مدنية للأطفال والنساء والتي تُشاهد في بث مباشر على شاشات التلفزة في كل ساعة من قطاع غزة.
سادسا: ظهور أصوات تُشكك وتتهم في محور المقاومة وبالذات في "إيران" وتحت عنوان ومفهوم "التخلي"، وأيضا أبواق تتحدث عن خطط أمريكية وإسرائيلية وكأنها سوف تتحقق وأن لا حول ولا قوة للشعب الفلسطيني والعربي في مواجهتها، بل أن محور المقاومة وعلى رأسه "إيران" غير قادر ولا يستطيع فعل شيء إن لم يكن متآمر، لذلك ستترك "غزة" وحيدة وسيتم تصفية القضية الفلسطينية، لأن كل ذلك يحدث كون "القَدَر" "ألأمريكي" لا فرار منه، وهذه أعتبرها حرب نفسية لن ينجحوا فيها ولن يُحققوا المُراد منها.
لذلك نستطيع القول أن كل ما يجري من مجازر ومن حرب نفسية وتشكيك لن يؤدي لحرف البوصلة، بوصلة الدفاع عن الحق الفلسطيني في الحرية والاستقلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، ونستطيع القول أيضا أن المخاطر ليست فقط على الفلسطيني ومحور المقاومة لوحده بل هناك مخاطر أيضا على دولة إسرائيل ووجودها وعلى كل المصالح الأمريكية في منطقة غرب آسيا، ونشير هنا في عُجالة إلى التالي:
** كل الخطط التي يحاولون تنفيذها "راجع مقالي السابق الأهداف الإسرائيلية...الفرص والمآلآت"، سترتد عليهم ولن يستطيعوا تحقيقها ومن ضمنها الهدف المُعلن، ما أسموه "إجتثاث المقاومة وحماس على رأسها"، صحيح أن ثمن ذلك شهداء من المدنيين الأطفال والنساء والشيوخ وغيرهم، وصحيح أن القطاع سيتم تدميره، لكنهم سيرتدوا خائبين، وستؤسس معركة "طوفان الأقصى" لبدايات جديدة أساسها الحق الفلسطيني والدولة الفلسطينية القادمة لا محالة، فهذا هو منطق التاريخ لمن يفهم حقيقة وجود شعب تمسك بحقوقه عقود من الزمن وأفشل كل المحاولات لتصفية قضيته، ومن لم يقتنع بذلك سابقا وإستمر في سياسة الإنكار ستفرض عليه معطيات الواقع أن بقاءه لن يكون بدون نيل الفلسطيني لحقوقه وفق قرارات الشرعية الدولية، العودة هي التي ستتحقق في المدى المستقبلي المنظور وليس خطط التهجير.
** الشعب الفلسطيني في قطاع غزة ومقاومته سيردون المعتدين خائبين فقدراتهم هي إيمانية لا تنكسر، وكل الذبح الذي يمارس ضدهم في كل لحظة لن يؤدي إلى الإستسلام ولا إلى رفع الراية البيضاء، بل سيتم رفع راية وعلم فلسطين، فلا "نكبة" ولا "نكسة" لأن المعركة هي الشعب الفلسطيني وقواه المقاومة وليس مع جيوش عربية لم يكن لديها إرادة القتال إلا في السادس من أكتوبر عام 1973، ورأينا بأس الجندي والجيش المصري والسوري عندما توفرت الإرادة للقتال.
** محور المقاومة المُمتدُّ من "طهران" إلى " لبنان" مرورا ب "العراق" و "سوريا" ولا ينتهي ب "اليمن" لن يترك غزة وحيدة، ولحظة الصفر قادمة وهي تقترب في كل ساعة، ومصير المنطقة كلها الآن تتحمل مسؤوليته "الولايات المتحدة الأمريكية"، فإما أن توقف المذبحة وتذهب نحو حلول سياسية أساسها إقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشريف وفقاً لقرارات الشرعية الدولية، وإما مشروع "إسرائيل" كدولة كله مهدد وجوديا، وكل المصالح الأمريكية في كل منطقة "غرب آسيا" مهددة، حتى لو أدى ذلك إلى "حرب عالمية ثالثة" محدودة نتائجها ستكون تدميرية على الجميع وليس فقط على قطاع غزة المُدمر والمذبوح الآن من الوريد للوريد.
** إسرائيل تنتقم وتحاول أن تُعيد المشهد لما قبل السابع من أكتوبر، وهذا يُعاكس المنطق ومسيرة التاريخ، لأن ما حدث كمشهد كلي سُجِّلَ بأحرف من دماء لن تستطيع إسرائيل محوه عبر التطهير والتهجير والتغوّل في دماء الأطفال والنساء، بل كل الكليات العسكرية في العالم ستقوم بتدريس خطة عبور "القسام والسرايا والمقاومة" كما لا تزال تُدرّس خطة العبور "المصري والسوري" في أكتوبر المجيد.
** الحديث حول الحرب البرية والذي يأخذ أحيانا نقاشات وتحليلات لا حصر لها، لن يؤدي إلى إحداث تغيير على الواقع، وتصريحات "غالانت" وزير الدفاع الإسرائيلي حول "تضيق الجغرافيا في قطاع غزة واحتلال جزء منه"، أي خلق منطقة عازلة في شمال قطاع غزة لكي يُحدثوا ما أسموه الأمن لمستوطني غلاف غزة لكي يعودوا إلى بيوتهم، وتصريحات "غانتس" عضو مجلس الحرب في حكومة الطوارئ ورئيس حزب معسكر الدولة عن أنه سيذهب للعيش في "مستوطنات غلاف غزة"، ما هو إلا تعبير عن عجز وعدم قدرة على تحقيق الأهداف السياسية المُعلنة وغير المُعلنة.
أخيرا، ليس أمام "إسرائيل" ولا أمام "الولايات المتحدة الأمريكية" التي هي من تقود المعركة الآن من خيارات واقعية وممكنة إلا وقف إطلاق النار ووقف العدوان والبدء في العمل على عقد مؤتمر دولي للسلام هدفه تنفيذ قرارات الشرعية الدولية في إعطاء الشعب الفلسطيني حقوقه في الحرية والاستقلال وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف وحق العودة والتعويض للاجئين الفلسطينيين، لأن قاموس الهزيمة والاستسلام غير وارد لا في قاموس الشعب الفلسطيني ولا يوجد في مفردات المقاومة.
إن أقصر الطرق لوقف المجازر والتداعيات الكبيرة التي تُهدد كل منطقة "غرب آسيا"، هو بعدم الانجرار وراء خطط وأهداف "نتنياهو" الذي يريد تدمير المنطقة في سبيل أن ينجو هو بنفسه وتحت عنوان الخطر الوجودي والمصيري على دولة إسرائيل، وعندما يأخذ الفلسطيني حقه وفق قرارات الشرعية الدولية فكيف ستكون "إسرائيل" في خطر وجودي، إنها كذبة "نتنياهوية" أقنع فيها ربيبته "أمريكا" وحلفاءه الغربيين وورطهم في مُستنقع جديد سيُعرّض كل مصالحهم للخطر.
الأيام القادمة ستُفهِمَهُم إذا هم لا يريدوا أن يفهموا الآن وصموا آذانهم، وحينها كل شيء سيكون قد أصبح متأخراً، لأن غزة ليست يتيمة ولن تُترك وحيدة.