إسرائيل الدولة وامام كل العالم تقوم باستهداف مباشر وغير مباشر بالقذائف والقصف الجوي للمستشفيات، تحاصرها وتمنع عنها كل سبل العيش في محاولة واضحة وعن سبق وترصد وتعمد لقتل من فيها وإجبارهم على تركها مرغمة ومغادرتها لتفريغ كل شمال غزة من سكانه.
إسرائيل المجرمة لا تأبه بالعالم ولا تعطي اي اعتبار لأصدقائها من العرب وغير العرب وتستهدف المدنيين في المستشفيات والمدارس والمساجد والكنائس، وجل الضحايا اطفال ونساء وشيوخ، في محاولة منها لقتل إرادة الحياة على الرغم من الموت المنتشر حولها وضرب روح الصمود الغزاوية التي تعمقت وتجذرت ولا تلقي بالا لهدير القصف من الطائرات والصواريخ والقنابل الأمريكية ولا لقذائف الدبابات وصوتها الذي يصم الآذان.
مجزرة المستشفيات لا احد يمنعها ويتم بثها مباشرة على الهواء، وإدارة بايدن تطلب من إسرائيل المجرمة تجنب قصف المدنيين، وترد إسرائيل على ذلك بقصف مباشر لمستشفى القدس، وبعض مباني مجمع الشفاء الطبي وتقتحمه، وترد بقصف محيط المستشفى الإندونيسي وتخلي مستشفى النصر للأطفال من الطواقم الطبية لتحكم على الاطفال المرضى والجرحى بالموت، وتقوم بقصف مستشفى مهدي للولادة وتقتل اطباء وأفراد من الطواقم الطبية وتدمر سيارات الإسعاف..الخ.
تتضح الاهداف الإسرائيلية من سياسة مجزرة المستشفيات، فالحكومة اليمينية المتطرفة برئاسة مجرم الحرب نتنياهو يتسابقوا في تصريحاتهم التي كلها تتمحور حول التطهير العرقي للفلسطيني ليس فقط من شمال غزة ووسطها بل من القطاع ككل، نتنياهو يصرح بان إسرائيل سوف تسيطر امنيا إلى الأبد على غزة، ووزيره بن غفير يطالب بالعودة للاستيطان في غزة كونها جزء من أرض إسرائيل وفق عقيدته وسموتريتش يدعوا لتشجيع الهجرة الطوعية، وهناك في امريكا من يتحدث عن توزيع قبيلة غزة على 193 قبيلة في العالم، احلام اليمين الذي يعتقد أنه حسم المعركة وهو في الواقع بعيد كل البعد عن ذلك، يعلو صوتها ليؤكد على المؤكد وعلى لسان الوزير آفي ديختر "إحداث نكبة 2023".
لا بد من الإشارة إلى أن طبيعة الانقسامات الداخلية في إسرائيل تعكس نفسها بقوة على تصريحات مسؤوليها، وان ما بعد مجازر المستشفيات، سوف تأخذ المعركة في غزة ابعاد دولية جديدة خاصة بعد قرار مجلس الامن الذي طالب بهدن وممرات إنسانية دون آلية وبدون كلمة فورية، في حين تأثيرات ذلك على السياسة الداخلية الإسرائيلية قد لا تتأثر كثيرا خاصة مع وجود بند آخر في قرار مجلس الامن يطالب بالإفراج عن الاسرى والمحتجزين بشكل فوري، وعلى الرغم من الضغوطات الخارجية غير المباشرة حتى الآن، والتي تأتي في سياق نصائح من البيت الأبيض بالذات، لكن جميع تلك النصائح لا تتحدث عن وقف إطلاق النار، بل هدن إنسانية، لذلك فإن عوامل إطالة الحرب من وقفها.
وفقا لرؤيتهم فإن عوامل إطالة الحرب أكثر من عوامل وقفها حتى الآن، حتى لو تحولت المعركة بطريقة ما تقوم فيه في الضفة لاحقا، والعوامل ترتبط بالتالي:
اولا- الاهداف من الحرب غير قابلة لان تتحقق "تدمير البنية العسكرية للقسام والمقاومة، انهاء حكم حماس، تحرير الاسرى والمحتجزين، تحقيق النصر بشكل لا يشوبه شائبة"...هذه الأهداف وصفة لتأخذ الحرب مدى زمني غير محدد.
ثانيا- نتنياهو ورئيس الاركان وقائد سلاح الجو وقائد المنطقة الجنوبية ورؤساء الشاباك والإستخبارات والموساد كلهم تنتظرهم لجان التحقيق والمقصلة ما بعد الحرب، لذلك الكل معني بإطالة امدها.
ثالثا- الخلافات والمزايدات بين نتنياهو وغالانت وهيئة الاركان، الكل يريد تحقيق ما اسموه النصر وتحرير الاسرى والمحتجزين.
هذه العوامل تطيل امدها، وغانتس أيضا مقتنع بإمكانية تحقيق تلك الأهداف من هذا العدوان ويتحدث عن النصر وهو من اشد المتحمسين ليس لإستمرار العدوان على غزة بل ايضا فتح جبهة الشمال، ولولا الموقف الامريكي لتوسعت المعركة بمبادرة إسرائيلية.
اما عوامل تقصير هذه الإبادة فهي مستندة لأمور ممكنة في المدى المنظور وأخرى في المدى المتوسط، وتتمثل بالتالي:
أولا- تغيير في الموقف الامريكي وهذا ممكن في المدى المنظور شرط استمرار الضغوط من الرأي العام العالمي والامريكي، وتفعيل الضغط من الانظمة العربية الرسمية وعدم قدرة نتنياهو ومجلس الحرب على تحقيق الأهداف المعلنة من العدوان.
ثانيا- الحاق خسائر بشرية في الجيش "ممكن في المدى المتوسط"
ثالثا- الخسائر الإقتصادية بسبب استمرار تعبئة الإحتياط والكساد في السوق وضرر في مجمل القطاعات وبالذات الزراعي والهاي تك."ممكن على المدى الوسط".
رابعا- الاسرى والمحتجزين وضغط الراي العام الإسرائيلي لإجراء عملية تبادل."ممكن ما بين منظور ومتوسط".
خامسا- الصمود وإستمرار المقاومة "ممكن على المدى المتوسط والبعيد"
أخيرا،
الخطط يجب ان تكون على اساس الأهداف، بمعنى ان منع تحقيق الاهداف المعلنة سيؤدي لتغيير في الموقف الامريكي وسيضغط على الراي العام الإسرائيلي خاصة في موضوع الاسرى.
وهنا ما يجب اخذه بعين الإعتبار، بان المعركة هذه ليست جولة ونهايتها تحدد مصير ليس القطاع فحسب وإنما القضية الفلسطينية ككل.
اما إذا توسعت المعركة فهنا سيكون لدينا إحتمالين:
الاول- البحث عن وقف اطلاق النار كممكن على المدى المنظور.
ثانيا- استغلال ذلك لزيادة الإجرام في غزة بطريقة أسوأ مما هي عليه الآن، فدائما هناك آليات لذلك وأقصد نوعية اسلحة محددة.
ومهما كان الامر ومهما كانت مآلات الامور، فمن الضروري وجود خطة سياسية لا تتعارض مع قرارات الشرعية الدولية، ولكن نتيجتها دولة فلسطينية وربط بين الضفة والقطاع، وغير ذلك ليس أمامنا سوى إستمرار المقاومة.
أما لماذا يجب وجود خطة سياسية؟ لأن حكومة ما قبل السابع من تشرين/ اكتوبر، هي نفسها حكومة ما بعد السابع من تشرين/ أكتوبر، وهي تعلن ان لا أفق في المدى المنظور لأي حل للصراع، ولانها لا تريد حكم 2.2 مليون نسمة، ولأنها لا تريد ان يكون للسلطة الفلسطينية دور او هي لا تستطيع، لذلك فهي تخطط لان تعمل منطقة عازلة في شمال قطاع غزة، وفك الإرتباط بشكل كلي مع ما يتبقى من جغرافية القطاع، وتشكيل حكومة محلية تتبع امنيا لإسرائيل "فشلت وستفشل في ذلك"، لكن الاهم لديه هو "هزيمة الفلسطيني ومحو من ذاكرته مشهد السابع من تشرين/ أكتوبر، بل منعه من ان يحلم بما كان وحدث وغرس مشاهد الإبادة الجماعية حتى لا تسول له نفسه للتفكير مرة ثانية بأنه يستطيع هزيمة إسرائيل وجيشها"
*ما بعد مجزرة المستشفيات، وطول الحرب ام وقفها، سيبقى المارد الفلسطيني واقفا لا ينحني ومشهد السابع من تشرين/ أكتوبر هو المعركة كلها، وما بعدها ليس سوى حقيقة عقلية الاحتلال الإجرامية، عقلية المافيا، عقلية الاستعمار الإحلالي التي تهيمن وهيمنت على الحركة الصهيونية.