غزة: "سيلا" طفلة غزاوية لم تكن بدعا من الأطفال، فهي تحلم وتطلق لخيالها العنان، رغم ما يحيق بهذه البقعة الضيقة من الأرض من إكراهات الاحتلال واعتداءاته التي لا تكاد تتوقف، منذ النكبة التي حلت بفلسطين، وجعلت أرضها إمّا حدودا للمحتل أو هدفًا لاعتداءاته.
ورغم أن هذا العدوان الذي أوشك على إكمال شهره الثالث ليس كغيره من الاعتداءات السابقة، فقد أدى حتى الآن إلى استشهاد أكثر من 20 ألف فلسطيني معظمهم من النساء والأطفال، وإصابة أكثر من 50 ألفا آخرين، فضلا عن تدمير ما يقارب من نصف مباني غزة، لكن سيلا لم تتوقف عن الحلم وعن التخطيط للمستقبل.
كانت سيلا تحلم بانتهاء العدوان، وخصصت صفحة من دفتر يومياتها لتسطر فيها هذه الأحلام، بل كانت أكثر عملية وتنظيماً عندما عنونت إحدى الصفحات بالعنوان التالي "مخططاتي بعد الحرب".
30 يوما من الديلفيري، (تقصد الطلب من المطاعم للمنزل). مشاهدة التلفاز، السهر، الخروج أينما ووقتما تريد، الاتصال ببابا ساعات متواصلة ثم السفر إليه، كانت هذه بعض أمنيات الطفلة التي تئن مع أكثر من مليوني فلسطيني تحت وطأة قصف وحشي يستهدف كل شيء، ولا يستثني حتى دور العبادة أو المستشافيات أو المدارس.
وفي ختام أمنيات سيلا كان دعاؤها "إن شاء الله مخططاتي تتحقق".
لم تكن أحلامًا عريضة، بل مجرد طعام وشراب وإمكانية التحرك والاتصال بالوالد ثم السفر إليه، ربما يمكن تصنيفها ضمن الحد الأدنى من أحلام الأطفال في هذا الزمان، ومع ذلك فقد ضن الاحتلال على الطفلة الصغيرة بتحقيق أحلامها رغم بساطتها.
فقد قصف جيش الاحتلال منزل الطفلة الصغيرة ضمن ما قصف من منازل في مخيم النصيرات في غزة، لتصعد روح سيلا إلى بارئها مع عدد من أفراد أسرتها، وتنضم إلى قائمة الشهداء التي جاوزت الـ20 ألفا حتى الآن.
لم يمهل الاحتلال سيلا كي تحقق امنياتها بل اغتالها هي وعائلتها في قصفٍ غاشم استهدف منزلهم, وانتهى الفصل الأخير من حياتهم، تحت سمع وبصر العالم الذي كثيراً ما تحرّك وانتفض من أجل تمثالٍ أو حيوان، لكنه الآن يكتفي بمتابعة صامتة لعشرات الآلاف، وهم يُقصفون ويموتون.