تُحيي حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" كل عام في الأول من كانون ثاني/ يناير الجاري، الذكرى السنوية الثالثة والخمسين لانطلاقتها، فبعد سبعة عشر عاما من الضياع الذي عاشه شعبنا في أعقاب نكبة عام 1948، جاء اليوم الأول من كانون الثاني/يناير 1965، ليكون نقطة البداية في أول تحرك جماهيري فلسطيني على الطريق السليم.
انطلقت حركة "فتح" لتمثل التنظيم الفلسطيني، الذي ارتبطت الثورة الفلسطينية باسمه، باعتبار أن انطلاقة "فتح" في العام 1965 مثلت الانبعاث الحقيقي للوطنية الفلسطينية والكفاح المسلح، من خلال كوكبة من الشباب الفلسطيني، ويعود اختيار هذا التاريخ، حين نفذت الحركة في اليوم الذي سبقه من عام 1965 أول عملية فدائية ضد أهداف "إسرائيلية"، إيذانًا بانطلاقة الحركة التي نشرت بيانها الأول في ذلك اليوم، لتعلن رسميا عن قيام عناصرها بتفجير محطة مائية عرفت باسم "نفق عيلبون" داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948.
حركة فتح:
جاء في أدبيات الحركة والمسلكيات الثورية لها وبرنامجها السياسي الذي أقرّه المؤتمر الرابع للحركة (عُقد في أيار/ مايو من عام 1980 بالعاصمة السورية دمشق)، تعريف لـ "فتح" على أنها "حركة وطنية ثورية مستقلة وهدفها هو تحرير فلسطين تحريرا كاملا وتصفية الكيان الصهيوني اقتصاديا وسياسيا وعسكريا وثقافيا وفكريا، وإقامة دولة فلسطينية ديمقراطية على كامل التراب الفلسطيني".
وحول أساليب العمل والنضال، قالت التوصيات "إن أسلوبنا لتحقيق أهدافنا هو الثورة الشعبية المسلحة كونها الطريق الحتمي الوحيد لتحرير فلسطين، وان الكفاح المسلح هو إستراتيجية وليس تكتيكا، والثورة المسلحة للشعب العربي الفلسطيني عامل حاسم في معركة التحرير وتصفية الوجود الصهيوني وتحرير فلسطين، ونعتمد في كل كفاحنا على الشعب العربي الفلسطيني كطليعة وأساس وعلى الأمة العربية كشريك في المعركة والمصير".
وأضافت "تتبع الأمبريالية الأمريكية لتحقيق أهدافها سياسة طرح مشاريع للتسوية تكتسب في كل فترة ثوبا جديداً يحقق أهدافا تكتيكية في تمزيق حركة التحرر العربي وقوى الصمود فيها وإلهائها عن المواجهة".
ومرّت الحركة وعلى مدار تاريخها بعدة مراحل ومحطات هامة وكانت ذروة قوتها في العمليات الفدائية التي نفذها مقاتلوها في ستينيات وسبعينات القرن الماضي، حينما اتخذوا من غور الأردن مقرا لانطلاق تلك العمليات، ومن ثم تبني الخيار السلمي، والانتقال إلى لبنان ومن ثم إلى تونس فالأراضي الفلسطينية المحتلة.
النشأة:
يمثل العام 1957 نشأة حركة "فتح" التي أتت في الحقيقة من تلاقي الأفكار الثورية لعدد من البؤر التنظيمية المنتشرة منذ عام 1948، هذه الأفكار التي مثلت لدى أعضائها، رداً على النكبة وعلى العدوان الثلاثي 1956، وعلى فقدان مصداقية الأحزاب السياسية، التي كانت منتشرة في الساحة آنذاك، وعلى الرغبة في استقلالية العمل الوطني الفلسطيني، خاصةً بعد تجميد عمليات الفدائيين من قبل السلطات المصرية عام 1957.
فانطلقت في هذا العام طلائع فلسطينية مسلحة إلى قلب الأرض المحتلة، وسط عالم مظلم وظروف صعبة وقاسية، لتضع أول تطور واقعي في تاريخ كفاح الشعب الفلسطيني، في أعقاب النكبة من أجل التحرير.
الاجتماع التأسيسي :
يشار دوما في أدبيات حركة "فتح" إلى أواخر العام 1957 كبداية لتأسيس الحركة، حيث عقد لقاء ضم ستة أشخاص هم: ياسر عرفات، وخليل الوزير وعادل عبد الكريم، وعبد الله الدنان، ويوسف عميرة، وتوفيق شديد، حيث اعتبر هذا اللقاء بمثابة اللقاء التأسيسي الأول لحركة "فتح"، رغم انقطاع الأخيرين عن التواصل بعد فترة وجيزة، وصاغ المؤسسون ما سمي "هيكل البناء الثوري" و"بيان حركتنا"، واتفقوا على اسم الحركة للأحرف الأولى للتنظيم مقلوبة من "حتوف" ثم "حتف" إلى "فتح"، وتبع ذلك انضمام أعضاء جدد منذ 1959 كان أبرزهم صلاح خلف وخالد الحسن، وعبد الفتاح حمود، وكمال عدوان، ومحمد يوسف النجار.
العمل المسلح والعمل النقابي:
يشار بقوة إلى دور رابطة الطلبة الفلسطينية في الجامعات المصرية، وخاصةً منذ تسلم ياسر عرفات رئاسة الرابطة ( 1952 – 1956 ) والدور العربي والعالمي، الذي لعبته في بعث القضية الفلسطينية، وحتى تأسيس الاتحاد عام 1959.
فمنذ العام 1954 ابتدأ خليل الوزير "أبو جهاد"، أحد أبرز مؤسسي حركة "فتح" العمل المسلح ضمن مجموعات فدائية صغيرة، وفي يوليو 1957 كتب مذكرة لقيادة جماعة الأخوان المسلمين في غزة، يحثهم فيها على تأسيس تنظيم خاص يرفع شعار تحرير فلسطين عبر الكفاح المسلح، ورفضت الجماعة دعوته، لتنضم لاحقاً أعداد كبيرة من الكوادر لتنظيم "فتح" الناشئ، أمثال: سليم الزعنون، وصلاح خلف، وأسعد الصفطاوي، وأبو علي أياد ، وسعيد المزين، وغالب الوزير من قطاع غزة، ومحمد غنيم، ومحمد أبو سردانة من الضفة الغربية.
مجلة فلسطيننا :
في العام 1959 ظهرت "فتح" من خلال منبرها الإعلامي الأول مجلة "فلسطيننا – نداء الحياة"، التي صدرت في بيروت منذ شهر تشرين ثاني –نوفمبر، والتي أدارها توفيق خوري، وهو نفس العام الذي شهد اندماج معظم البؤر التنظيمية الثورية المنتشرة المتشابهة الأهداف، والتي حققت أوسع استقطاب حينها شمل ما يزيد على 500 عضو.
وقامت مجلة "فلسطيننا" بمهمة التعريف بحركة "فتح" ونشر فكرها ما بين 1959 – 1964 واستقطبت من خلالها عديد المجموعات التنظيمية الثورية الأخرى، فانضم تلك الفترة كل من: عبد الفتاح حمود، وماجد أبو شرار، وأحمد قريع، وفاروق قدومي، وصخر حبش، وهاني الحسن، وهايل عبد الحميد، ومحمود عباس، ويحيى عاشور، وزكريا عبد الحميد، وسميح أبو كويك، وعباس زكي وغيرهم الكثير إلى صفوف الحركة الناشئة.
تطور العلاقات العربية:
في العام 1962 حضرت "فتح" احتفالات استقلال الجزائر، ثم افتتحت مكتبها في العاصمة الجزائرية عام 1963 برئاسة خليل الوزير. و في العام 1963 أصبحت سوريا محطة مهمة لحركة "فتح"، بعد قرار حزب البعث السوري السماح لها التواجد على الساحة السورية.
وفي العام 1964 شارك 20 ممثلا عن حركة "فتح"، في اجتماع المجلس الوطني الفلسطيني رغم اعتراضات "فتح"، العلنية على منظمة التحرير الفلسطينية، باعتبارها أداة للدول العربية أقيمت لاستباق صحوة الشعب الفلسطيني ، إلا أنها بالمقابل اعتبرتها "إطار رسمي يحوز على شرعية عربية لا بد من الاحتفاظ به"، كما يقول خليل الوزير، ثم يتم تثويره.
الخروج من لبنان:
كان لانتقال "فتح" إلى تونس سلبيات كثيرة على أداء الحركة؛ كونها بعيدة حدوديا عن الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهو ما تسبّب بحالة تراجع كبيرة شهدتها "فتح" على كافة المستويات إلى أن اندلعت انتفاضة الحجارة (1987- 1994)، لتعود الحركة إلى الظهور مجددا من خلال الانخراط في الانتفاضة التي تخلّلها اغتيال "إسرائيل" للرجل الثاني في الحركة خليل الوزير "أبو جهاد" في تونس بتاريخ 16 نيسان/ أبريل 1988.
واستثمرت حركة "فتح" الانتفاضة لتحريك عملية التسوية مع الاحتلال؛ حيث عقدت المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر في 15 تشرين ثاني/ نوفمبر 1988، وتبنّى قرار مجلس الأمن الدولي (رقم 242)، معترفا بذلك ضمناً "بإسرائيل" وفي الوقت ذاته، اعلن المجلس قرار اقامة الدولة الفلسطينية على أراضي الضفة وغزة، وهو ما عرف بـ "إعلان الاستقلال".
وفي نيسان/ إبريل 1989 كلف المجلس المركزي الفلسطيني ياسر عرفات برئاسة الدولة الفلسطينية.