- مراسلنا: شهيد ومصابون برصاص الاحتلال شمال غربي مخيم النصيرات
يبدو أن رئيس حكومة الحرب الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، لا يحقق الفوز خلال تلك الحرب، أي منذ نحو ثمانية أشهر حتى الآن، إلا على جو الناعس، وآخر ما فعله بالضد من الرئيس الأميركي هو إطلاق العملية البرية في رفح، دون أي رد فعل يذكر من جو بايدن، الذي ظل طوال أشهر يعلن رفضه لتلك العملية، وصحيح أن نتنياهو قد استخدم تكتيكاً عسكرياً ناجحاً، فسر عدم رد الفعل الأميركي وحتى الرسمي العالمي، على اقتحام رفح، وكان ذلك التكتيك قد اعتمد التقدم البري المتدرج، وبدأ من الأطراف الشرقية للمدينة، أحياء: الشوكة والجنينة والسلام، مع الدفع بالسكان للنزوح باتجاه مواصي خان يونس، بحيث نزح فعلاً نحو نصف المقيمين في رفح منذ بدء الحرب على القطاع، إلا أن لذلك كان ثمن، تمثل بقرار محكمة العدل الدولية بوقف تلك العملية، وحيث أن إسرائيل لم تنص لقرار القضاء الدولي، فإن نتيجة ذلك ستكون اختباراً آخر لأميركا في مجلس الأمن، كما أن ذلك يزيد من تعقيد صورة إسرائيل المارقة دولياً.
غداة إصدار قرار المدعي العام للمحكمة الدولية سارع نتنياهو إلى الموافقة على العودة لمفاوضات صفقة التبادل مع «حماس»، وذلك لتحقيق هدفين، الأول إقناع بايدن بأن عملية رفح كانت تهدف بالدرجة الأولى للضغط العسكري على «حماس» لإجبارها على قبول الشروط الإسرائيلية للصفقة، أي الاستسلام، والثاني التسهيل على الأميركيين في مواجهة جلسة مجلس الأمن التي ستعقب قرار المدعي العام للمحكمة الجنائية، وكما فعلت من قبل إزاء مشاريع قرارات طالبت بوقف الحرب، بررت استخدامها للفيتو بوجود مفاوضات حول تلك الصفقة، وذهب الإسرائيليون أبعد من ذلك، بعد أن انكشف لـ «حماس» تكتيكهم الخاص بالضغط العسكري لتحقيق المكسب التفاوضي، وفي محاولة للتوقف عند النقطة الوسط بين الضغوط المتضادة، سحب الجيش لواء غولاني من رفح، في الوقت الذي كان متوقعاً أن يواصل نتنياهو التقدم في العملية البرية برفح.
أي أن الضغط على نتنياهو يحقق نتائج، نقصد الضغط ضد استمرار الحرب وضد جرائمها، وليس ضغط اليمين الفاشي فقط، بل إن الإسرائيليين، وتحت ضغط لاهاي والضغط الميداني أيضا، حيث أطلقت المقاومة حرب العصابات التي تصاعدت في استنزاف الجيش المنهك، خاصة في المناطق التي ادعى بأنه قد دمر كتائب القسام فيها، نقصد جباليا وغزة، وحتى في رفح توالت ضربات المقاومة، بما في ذلك إطلاق رشقات صاروخية من رفح باتجاه تل أبيب وهرتسليا، تحت ضغط لاهاي والضغط الميداني معاً، تراجع نتنياهو ميدانياً وسياسياً، وسارع إلى منح صلاحيات إضافية لوفده المفاوض فيما يخص صفقة التبادل، بل إن إسرائيل أعلنت بعد قرار المدعي العام، بأن عليها أن تتفرغ للمعركة السياسية التالية، أي جلسة مجلس الأمن التي ستعقد لتنفيذ قرار المحكمة الدولية الخاص بوقف إطلاق النار الإسرائيلية في رفح.
سحب لواء غولاني من رفح، الهدف منه واضح تماماً، وهو سد الفجوة مع واشنطن، لضمان أن تستخدم الفيتو في مجلس الأمن، فيما يبقى على إسرائيل أن تسمح لمواد الإغاثة بدخول قطاع غزة، وذلك بعد أن أدى احتلالها لمعبر رفح إلى إغلاقه في وجه تلك المساعدات، فيما حققت المرونة المصرية، بعد مهاتفة بايدن للرئيس عبد الفتاح السيسي، والتي تبدت في موافقة الرئيس المصري على إدخال المساعدات عبر كرم أبو سالم مؤقتاً، حتى لا يتحول احتلال الجانب الفلسطيني من معبر رفح، إلى واقع دائم.
هكذا بنصف امتثال إسرائيلي لقرار المحكمة الدولية، وعودة التفاوض حول الصفقة، يمكن لواشنطن أن تواجه مطالبات إجبار إسرائيل بالقوة، أي المطالبة المتوقعة في مجلس الأمن بإصدار قرار تحت البند السابع، يجبر إسرائيل على وقف حربها في رفح، دون أن تحقق مقابل تلك الموافقة شيئاً من «حماس»، بهكذا حالة يمكن لواشنطن مواجهة ما هو متوقع في مجلس الأمن، واستخدام الفيتو دون حرج.
ما لفت الانتباه كثيراً خلال الأيام الماضية هو ما قاله قادة عسكريون قبل يومين للقناة 12 الإسرائيلية، من أن العملية العسكرية في رفح لم تحقق شيئاً، لا ميدانياً بالطبع، أي تحرير بعض الرهائن، أو الوصول لأي من قادة «حماس» المركزيين، ولا حتى في إجبار «حماس» على قبول شروط نتنياهو فيما يخص صفقة التبادل، أي رفع الراية البيضاء والاستسلام، والأهم كان ما قاله تساحي هنغبي رئيس مجلس الأمن القومي المقرب من نتنياهو، أمام لجنة الأمن والخارجية بالكنيست، بأن إسرائيل لم تحقق أي هدف استراتيجي، وهي لم تسقط «حماس» ولم تفرض شروط صفقة الأسرى، ولم تتمكن حتى من إعادة سكان الغلاف لمنازلهم.
بشكل أو بآخر، يبدو أن أميركا تحاول أن تسحب نتنياهو لممر خروج آمن من ورطة الحرب، وهي باتت متأكدة بأن الحرب ستتوقف بعد أسابيع أو أشهر، وربما بعد أيام، في حال عادت إسرائيل للموافقة على آخر مقترح مصري لصفقة التبادل الذي وافقت عليه «حماس» وبمعرفة واطلاع وليام بيرنز مدير المخابرات المركزية الأميركية، لذا فإن واشنطن بدأت التفكير بترتيب اليوم التالي بما يحقق مصلحتها هي، بحيث تتصرف لأول مرة بتدخل مباشر، دون التصرف على أساس أن فلسطين شأن إسرائيلي خاص، وهي بعد أن قامت ببناء ميناء غزة العائم، بدأت تفكر بما هو أبعد من ذلك، آخذة بعين الاعتبار بأنه سيكون من نتائج الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة نتائج بعيدة المدى، بالغة الأهمية، وقد يبدو بعضها اليوم ضرباً من الخيال، من هذه النتائج سيكون إعادة ترتيب العلاقة بين أميركا وإسرائيل، بشكل مختلف تماماً، عما كانت عليه من وصف هو أنها علاقة إستراتيجية خاصة، لا مثيل لها بين دولتين، وذلك بالنظر إلى ما جرى خلال الحرب من خلافات جدية بين إدارة بايدن وحكومة نتنياهو، وليس صحيحاً أن الخلاف يعود فقط لاعتبارات شخصية بين الرجلين، فقط انخرط بالخلاف أركان إدارة بايدن ومعظم أعضاء حكومة نتنياهو، وقد لا نبتعد كثيراً عن الحقيقة لو قلنا بأنه لو كان دونالد ترامب من يدير دفة البيت الأبيض، أو لو كان يائير لابيد هو رئيس حكومة إسرائيل، لما اختلف الأمر كثيراً عما حدث.
وما يدفعنا إلى قول هذا، ليس تلك الخلافات، التي لم تكن على أي حال حاسمة في شيء مهم، فهي لم توقف الحرب في منتصف طريق نتنياهو مثلاً، كما لم تجبره على عدم دخول رفح، ولا في التوقف عن ارتكاب جرائم الحرب، لا بحق المدنيين ولا بحق الصحافيين والأطباء والمسعفين ولا موظفي الإغاثة الدولية، ولا حتى في الاستجابة لمناشدات بايدن بالسماح بدخول مواد الإغاثة، ولا حتى في إنجاح صفقة التبادل كما كان يتوق بايدن لذلك كثيراً، لكن ما يدفعنا للتفكير بهذا المنحى هو التغييرات الدولية والإقليمية التي من الطبيعي أن تفرض على دولة عظمى مثل الولايات المتحدة، أن تعيد حساباتها، لأن هدفها الأهم هو أن تبقى سيدة العالم، وفي سبيل ذلك، تجد نفسها مضطرة لأن تعيد حساباتها فيما يخص علاقتها بإسرائيل.
كل هذا سيتضح إلى حد بعيد من خلال الظهور الأميركي في صورة ما بعد الحرب، وأميركا بعد تدشين الميناء العائم، تحدثت عن مستشار أميركي لإدارة الحكم في غزة، وربما أميركا بدأت تفكر في قاعدة عسكرية في غزة تقابل قواعد روسيا في سورية.