كما كان متوقعاً أعلن تساحي هنغبي مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، وهو ابن المتطرفة عضو الكنيست السابقة غيئولا كوهين التي تمددت على باب الكنيست باكية يوم توقيع اتفاق أوسلو وهي تتشح بالسواد، أن الحرب على غزة ستستمر لسبعة أشهر أخرى، ليس هناك وضوح أكثر من هذا أي حتى يتسلم الرئيس الأميركي المتوقع دونالد ترامب.
تلك كانت لعبة نتنياهو ومجموعته في هذه الحكومة والتي لا تبتعد عنها كثيراً رؤية الجيش الذي تعرض لضربة شديدة في هيبته وهيبة الدولة.
فقد أعلن رئيس الأركان هرتسي هليفي من رفح أن «تفكيك حماس بشكل كامل مهمة وطنية لدولة إسرائيل»، وهذا يعني حرباً مفتوحة بلا نهاية على غزة. فالحرب بالنهاية هي عملية سياسية بوسائل قتالية يلعب السلاح فيها دور المحرك لفرض وقائعها.
صحيح أنها بدأت حرباً انتقامية لكن إسرائيل باتت ترى أن هناك فرصة توفرت لإخراج كل مشاريعها التي لم يكن من الممكن تنفيذها لتضعها قيد التنفيذ، وتلك تتلخص بتصفية حساب تاريخي مع قطاع غزة وتجريفه.
تمديد القتال هو الهروب من سؤال اليوم التالي للحرب الذي تحاول إدارة بايدن أن تضغط على حكومة اليمين لإيجاد إجابة له، تلك الحكومة لديها إجابتها التي تتسرب من تصريحات غلاة متطرفيها الذين طالبهم نتنياهو بالصمت لكنها لا يمكن الإعلان عنها وإن حملتها روح خطة نتنياهو التي عرضها بسيطرة إسرائيلية من البحر للنهر، لكنها تتعارض مع الرياح الدولية والفكرة الأميركية بتحقيق استقرار في المنطقة بعقد اتفاق إقليمي يبدأ من غزة وينتهي في الرياض.
هذا ما كان يفسر كل ما حدث ويحدث من تدمير كل شيء في غزة؛ البيوت والمساكن والمستشفيات والبنى التحتية، ويفسر وجود جيش الاحتلال خمسة أشهر في خان يونس وتلكؤه في الوصول لرفح وتأخير احتلال المعبر ومحور فيلادلفيا لولا جولة المفاوضات وموافقة حماس مطلع الشهر لتأخير اجتياح المعبر.
كانت إسرائيل سياسياً تحتاج مزيداً من الوقت والتلكؤ ومزيداً من التدمير وجعل قطاع غزة لا يصلح للحياة وإخراجه كلياً عن الخدمة كما فعلت في جباليا بعودتها الثانية للمخيم الذي مسحته كما يقول مراسل الجزيرة إنه لم يعد يصلح للحياة أو كما يكتب الصحافي عبد الهادي عوكل «جباليا صار في خبر كان».
يتقدم ترامب استطلاعياً في معظم الولايات وفي أحسن حالات بايدن يحصل على تعادل مع الرئيس الذي لن تمنعه المحاكمة من الترشح، فلا شيء يعترض طريقه بعد أن سلمت منافسته نيكي هايلي بهزيمتها والتي تقدر بعض الأوساط أن يقوم بتعيينها نائبة للرئيس أو وزيرة للخارجية وتلك ستكون أسوأ ما أنتجته السياسة الأميركية على الفلسطينيين.
انتظار إسرائيل لترامب هو المهمة الرئيسة لنتنياهو الذي تمكن من التعايش القسري مع أوباما لثماني سنوات ومع بايدن أربع سنوات، بل بات مستفيداً من تحديه للرئيس العجوز إذ بدأت أوضاعه بالتحسن إسرائيلياً فقد بات المرشح المفضل لرئاسة الحكومة أمام الرأي العام وتمكن بتمديد الحرب من تقليص الفارق مع حزب غانتس الذي سيغادر الحكومة خلال أيام بعد المهلة التي قدمها لنتنياهو وسيخسر غانتس أكثر، فمزيد من تمديد الحرب سيضرب كل العصافير بحجر واحد وتلك يعززها التوافق العام مع واشنطن على أهداف الحرب ومع الجيش الإسرائيلي.
اليوم التالي هو ما لا يعرفه الفلسطينيون ولا يفكرون بمجرد الحديث فيه، تاركين أقدارهم للآخرين كعادة السياسة التي فقدت قرارها ولم يعد الواقع يسعفها لصناعة سياسة أو لغياب مؤسسة التفكير وغياب التوافق وثقافة التربص التي ما زالت تحكم سلوك الجماعات السياسية الفلسطينية أو لإدارة اللحظة بشكل يفتقر للكفاءة التي تتناسب مع جسامتها، لكن إسرائيل والولايات المتحدة والأوروبيين والعرب لا يتوقفون عن التفكير بذلك.
اليوم التالي بالنسبة لإسرائيل هو العمل على إنهاء القضية الفلسطينية بحضور رئيس أميركي لم يكن أكثر من مجرد ألعوبة في يد رئيس الوزراء الإسرائيلي.
إسرائيل ستضع الخطط وهو من يتبنى تنفيذها بما تمتلكه الولايات المتحدة من قوة.
وهنا الأمر سيتعلق بالدور العربي الذي تعامل معه ترامب سابقاً بقدر كبير من الاستخفاف شاهراً عصاه الغليظة في مواجهة النظم ومهدداً بإسقاطها ليتحول بعضها إلى مؤيدين لسياساته كما التطبيع أو الصمت الذي ساد في صفقة القرن.
إن بات الفلسطينيون أمام مستقبل قريب شديد الخطر إذا ما تحقق هذا السيناريو فكيف سيعارض العرب ترامب إذا ما فرض عليهم قبول سكان من قطاع غزة ... التجربة كانت سيئة في الاستجابة له بالمال والمشاريع السياسية، وفي ظل واقع فلسطيني ضعيف ميدانياً في غزة حيث وصول الإسرائيلي لكل المناطق وسيطرته على كل المعابر، وفي الضفة حيث تفكك النظام السياسي وتغول المستوطنين واجتياحاتهم وعالم عربي أكثر ضعفاً من قدرته على إدخال مساعدات لغزة ومثله عالم غربي، فلا يبقى أمام الفلسطينيين إلا التفكير بالخيارات لا انتظار المتغيرات التي لا يبدو أنها في صالحهم إسرائيلياً «تقدم نتنياهو» وأميركياً «تقدم ترامب» الوقت من أرض ودم والخسارات فادحة وحبل الوقت يشتد فقط هناك فرصة محدودة للعقل الجمعي والفعل الجمعي لمعرفة ماذا يريدون وكيف يواجهون الخطر .....وإلا فسيتبددون ...!