جاء خطاب بايدن يوم السبت الماضي ليعلن أن حرب إسرائيل على شعبنا في القطاع وصلت إلى نهايتها دون أن تكون قادرة على تحقيق أيٍ من أهدافها، باستثناء ما ألحقته من كارثة إنسانية غير مسبوقة في التاريخ الحديث، جراء ما ارتكبته إسرائيل من جرائم إبادة جماعية تلاحقها في المحاكم الدولية، وفي أوساط الرأي العام الدولي، باتت تلحق أضراراً عميقة ليس فقط بمكانة إسرائيل وتعزيز عزلتها كما أشار بايدن في خطابه، بل، وبمكانة الولايات المتحدة التي ظهرت كشريك عضوي كامل في مجرياتها، وكذلك بفرص بايدن الانتخابية نهاية هذا العام .
ثقوب "مبادرة بايدن"
تقديم بايدن لخطة أو مبادرة " مبادئ الصفقة" كمقترح اسرائيلي، جاء ليعفي نتانياهو من إعلان هزيمة أهدافه، و ليحد أيضاً من قدرته على المناورة في محاولة إحباطها كما حدث في آخر محاولة من الوسيطين المصري والقطري بالتنسيق مع الوسيط الأمريكي بعد موافقة حماس عليها، بعد أن كانت قد أُعِدّت بالتنسيق مع تل أبيب. إلا أن بايدن أيضاً، ومن موقع التحالف الاستراتيجي بين واشنطن وتل أبيب، فقد جاء إعلانه، بما يحتويه من ثقوب، ليوفر لإسرائيل امكانية تحويل فشلها العسكري إلى انجاز سياسي.
وقف الحرب مصلحة وطنية عليا
وقف الحرب يشكل مصلحة وطنية عليا فلسطينية، وفرصة لشعبنا في القطاع، الذي يتعرض لواحدة من أبشع مذابح العصر الحديث على مدار الأشهر الثمانية الماضية، من المحظور تفويتها . وقد أحسنت حماس بترحيبها بما ورد من مبادي تتضمن وقف دائم لإطلاق النار و الانسحاب الإسرائيلي الشامل من القطاع، والاتفاق على صيغة جادة للتبادل، وهي الأسس التي تتمسك بها المقاومة وتحظى بالإجماع الشعبي الفلسطيني، سيما أن ذلك يترافق مع التحولات السياسية الهائلة التي ولدتها وحشية حرب الابادة في ايقاظ الرأي العام الدولي لجذور الصراع والطبيعة العنصرية للمشروع الصهيوني، وتوالي الاعترافات الأوروبية بدولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران 1967، وما أنجزته هذه التحولات الناشئة عن الصمود الفلسطيني في منع حكومة الحرب،على الأقل حتى الآن، من تنفيذ مخططات التهجير الجماعي رغم الابادة الشاملة لكل مظاهر الحياة، و في وقت تواصل فيه المقاومة إظهار قدرتها على المواجهة الفاعلة .
مناورات نتانياهو لافشال الصفقة مرة أخرى
ليس مؤكداً أن تشق خطة" مبادئ الصفقة" طريقها رغم أطواق بايدن حولها، سيما لجهة رفض حلف "سموتريتش بن جفير" لوقف الحرب وتمسكهما بالتهجير الجماعي. والسؤال هل ستكون المعارضة الاسرائيلية مستعدة لتقديم ثمن شبكة الأمان لنتانياهو، الذي بات يستعيد ما فقده من نقاط في استطلاعات الرأي العام، ناهيك عن عدم استبعاد مناورة نتانياهو نفسه لإشغال ادارة بايدن في دهاليز التفاصيل وصولاً للانتخابات الأمريكية واحتمال عودة ترامب .
خطر "الصفقة" باعادة تكريس الانقسام
في كل الأحوال فإن عين نتانياهو، وهذا ما لا تستثنيه خطة" مبادئ الصفقة" ليست فقط انهاء قدرة حماس العسكرية، بل ومنع استعادة وحدة الكيانية الوطنية الجامعة، وبما يعنيه ذلك اجهاض، ليس فقط مضمون الاعترافات المتتالية بدولة فلسطين، بل وباحتواء التحولات الجذرية في الرأي العام الدولي لجذور الصراع والحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني وفي مقدمتها حقه في تقرير المصير . هذا هو الفخ السياسي الذي تقع على جميع الأطراف والنخب الفلسطينية مسؤولية التصدي له بعيداً عن الأوهام التي تقدمها الادارة لجهة محاولة تمكين السلطة من العودة لحكم غزة عبر ترتيبات أمنية جوهرها تمكين إسرائيل من تحقيق الاهداف العسكرية التي فشلت في تحقيقها من خلال الحرب. فما فشلت إسرائيل في تحقيقه من خلال حرب ابادة ما زالت رحاها مستعرة، لا يمكن لأي وطني أن يقبل تسهيل تحقيقها من خلف ظهر الإجماع الوطني بعد أن تضع الحرب أوزارها.
الوحدة هي الطريق الآمن لدحر الاحتلال
إن استعادة وحدة الكيانية الفلسطينية ومؤسساتها الجامعة كانت وستظل الطريق الآمن نحو انهاء الاحتلال عن أرضنا المحتلة منذ عام 1967، وتجسيد السيادة الوطنية عليها، وإن الهزيمة الحقيقة لنتانياهو تتجسد في تحقيق هذا الهدف، ومنعه من استكمال مخططات فصل قطاع غزة عن هذه الكيانية، الأمر الذي يمهد له طريق الضم والتصفية.
لقد سبق لحركة حماس وأعلنت موقفها لقطع الطريق على مخططات ما يسمى باليوم التالي، بالموافقة على تشكيل حكومة توافق وطني انتقالية غير فصائلية، وبحيث تتحمل القوى والفصائل مسؤولياتها في دعم هذه الحكومة من خلال مشاركة الجميع بما فيها حركتي حماس والجهاد في صنع القرار الوطني في هيئات منظمة التحرير الفلسطينية واعادة بنائها كمرجعية وطنية عليا وقيادة موحدة لمجمل النضال الوطني، بالتحالف مع قوى الحرية والعدالة والسلام الرافضة للحرب والاحتلال والعنصرية، التي تجسدها حراكات الانتفاضة الشعبية الكونية في مختلف عواصم ومدن العالم .
العودة للتوافق مسؤولية وطنية
صحيح أن القيادة المتنفذة قد أدارت ظهرها لهذه التوجهات التي حظيت بالإجماع الشعبي والوطني، وذهبت نحو حكومة غير توافقية رغم التحديات المفصلية والخطرة التي تمر بها قضية شعبنا، ومكانة السلطة ذاتها، بل وقدرتها على تلبية احتياجات الناس، ناهيك عن ضخامة المسؤولية التي ولدتها الحرب، والسؤال الذي يداهم هذه القيادة هو هل يمكن استعادة دور السلطة في القطاع دون توافق مع القوى التي أفشلت إن لم يكن هزمت الحلف الإسرائيلي الأمريكي في حربه على غزة ؟ وهل يمكن للاعترافات الأوروبية بدولة فلسطين أن تتحول لعلامة فارقة في الصراع إن لم يتمكن شعبنا وقواه السياسية والاجتماعية من استعادة وحدة الكيانية الوطنية ومؤسساتها الجامعة ؟
اغلاق دائرة هزيمة نتانياهو بسد ثغرة الانقسام
كما أن ادارة ظهر قيادة السلطة للوحدة والتوافق يجب ألّا يعفي حركة حماس من مواصلة العمل لإنجاز متطلبات ترتيب البيت الداخلي ، وهو ما أكدت عليه قبل أيام مواقف الأخ إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي للحركة، حيث أعاد التمسك بحكومة التوافق وبالوحدة داخل المنظمة، كما علينا جميعاً أيضاً أن ندرك بأن دائرة هزيمة نتانياهو ومخططات التصفية التي رسّخها صمود شعبنا ومقاومته الشجاعة، ومفاعيل التحولات الدولية، لا تكتمل إلّا باغلاق نوافذ وشرور الانقسام ومخاطر العودة لما قبل السابع من أكتوبر . فطريق النصر الحاسم يتعبد بصون ما حققته التضحيات الهائلة من انجازات هامة تتراكم بثبات وصبر و مسؤولية وطنية بعيداً عن الاستقطابات الفئوية في ميزان القوى نحو دحر الاحتلال واسقاط مخططاته التصفوية . فبالقدر الذي يشكل فيه وقف الحرب هزيمة لنتانياهو، فإن الفشل في انهاء الانقسام واستعادة الوحدة قد يشكل نكبة أبدية !