بعد مرور ساعات معدودات على إطلاق الرئيس بايدن لرؤيته التي وصفت بالمبادرة للخروج من حرب غزة، والدخول إلى ترتيبات اليوم التالي، ظهر ما يشبه الإجماع على قبولها.
حماس والجانب العربي وافق عليها دون التخلي عن الحذر من احتمال إفشالها، وإسرائيل انقسمت عليها بين مؤيد ومتحفظ ورافض. والعالم كله أيّد ودعم وأبدى استعداداً للمشاركة في الجهود التي ستبذل لوضعها موضع التطبيق.
نص الرؤية أو المبادرة جرت صياغته على نحو حاول أن يرضي جميع الأطراف المتحاربة على الأرض، فهي مشتقة من التفاهمات التي تم التوافق عليها في جولات الحوار التي أدارها الوسطاء الثلاثة منذ باريس حتى القاهرة والدوحة، والتي ستستأنف اليوم في القاهرة، تحت عنوان "معالجة أزمة معبر رفح"، ومن غير المنطقي أن يقتصر المجتمعون على الفنيات والإداريات دون التطرق للمبادرة الأمريكية والإفادة منها.
وكما قلنا بالأمس فالمبادرة مصاغة بصورة جيدة، ومن الصعب على الأطراف المباشرة رفضها، وهذا ما هو حاصل فعلاً حتى الآن.
إلا أن كل ما تقدم لا يلغي الحاجة إلى الحذر وتقنين التفاؤل بالحدود الدنيا، ذلك أن تجارب الماضي وهي قريبة وطازجة، تشير إلى أن إمكانيات تخريب المبادرة من قبل إسرائيل تظل واردة، وبنسبة أعلى من احتمالات تطبيق بنودها، والعلّة هنا تكمن في أن لا طرف واحداً في إسرائيل يستطيع إلزام الدولة بالموافقة والإخلاص في التعاون من أجل تنفيذها. وأول من تتجه إليه الأنظار في أمر كهذا هو نتنياهو، الواقع بين نارين أو بين شقي الرحى كما يقال.. نار ائتلافه المعرض للإنهيار إذا ما ذهب باتجاه وقف الحرب، ونار شركائه في الكابينت الذين لا يوافقون فقط على المقترح الأمريكي، بل يعتبرونه المخرج الاستراتيجي من ورطة الحرب التي يجمعون على استحالة تحقيق أهدافها.
وإذا ما نُظر للمبادرة على أنها بداية جدية لإنهاء متدرج للقتال، وإذا ما نُظر بالمقابل إلى خبرة نتنياهو وتاريخه في إفساد كل المبادرات الإيجابية، فمن المنطقي تماماً أن يتراجع اليقين ويتقدم الشك.
على مدى صراع نتنياهو مع الفلسطينيين قبل هذه الحرب وأثناءها، قام الرجل من خلال شركائه بتدمير كل فرصة تحمل بعض المزايا للفلسطينيين.. ألا تذكرون تزامن محرقة حوارة مع محادثات التهدئة التي كانت قائمة في العقبة؟ وألا تذكرون محرقة ترمسعيا التي تزامنت مع الجهد الآخر الموازي في شرم الشيخ؟ وألا تذكرون محرقة رفح الأخيرة التي نفذت لمنع محادثات الثلاثاء الماضي في القاهرة من أن تتم؟
هذه ليست مجرد مصادفات تحملها الحرب والسياسة، إنها منهج ثابت وراسخ، ولا توجد حتى الآن أي ضمانات لأن لا تتكرر حيال مبادرة بايدن.
كما قلنا.. المبادرة مشجعة لمن يرغب حقاً في رؤية وقف للموت اليومي والجماعي في غزة، إلا أن الحذر من أن لا تنجح في ذلك يجب أن يظل وارداً ما دام نتنياهو هو صاحب القرار الأول والأخير في إسرائيل.