من على بعد ثمانية أشهر انقضت على حرب غزة، يمكن رؤية الموقف الأمريكي منها بصورة أكثر وضوحاً.
تميز الموقف بتبنٍ مطلق لأهداف الحرب، مع بعض اعتراضات فنية على أدائها، وفتح مخازن الذخيرة التقليدية والذكية ليغرف منها الجيش الإسرائيلي أكثر مما يحتاج، مع دعم مالي في غاية السخاء، وغطاءٍ سياسي لم يكتفي بأربع "فيتوات" في أشهر قليلة.
ولأن العالم بما في ذلك العرب، يؤمنون بأن لا قوة على وجه الأرض تملك قدرة تأثير على إسرائيل سوى أمريكا، فقد تعايش الجميع مع محاولة تبدو في ظاهرها غير منطقية، إلا أنها في الحقيقة التجسيد الأدق والعملي لسياسة الدولة العظمى في أي شأن يخص إسرائيل.
فهي الشريك الفعلي بالجملة والتفصيل، والوسيط الأساسي الذي لا غنى عنه بالتسويات المحتملة، هي شريك في الحرب والممول الأوحد لها، وهي شريك في الوساطة والمؤثر الأهم فيها، وهذا يعني أنها تدير اللعبة الجهنمية من خلال الأسقف التي وضعتها لها، وعناوينها.. "لا يسمح بهزيمة إسرائيل إن لم يتسنى انتصارها المطلق، ولا يسمح بتحول الحرب على غزة إلى حرب إقليمية أشمل، مع تطويق تفاعلاتها بجهود سياسية ووساطات وضغوط تشمل إيران وحزب الله وحوثيي اليمن".
ذات يوم أيقظ كيسنجر رئيسه من النوم ليبلغه أن حرباً مصرية سورية إسرائيلية وقعت في السادس من أكتوبر 1973، وسأله ما العمل؟ أجابه قبل أن يعود إلى النوم.. دع الأولاد يلعبون قليلاً.
راقبت أمريكا الحرب على غزة وسيطرت فعلاً على امتداداتها الإقليمية بالتدخل المباشر أمام العراضة الجوية الإيرانية، وأرسلت مبعوثيها إلى لبنان للتأكد من أن إسهام حزب الله في الحرب على غزة لن يتجاوز الحد الذي تستطيع أمريكا التعامل معه.
ثمانية أشهر على الحرب، لم تتضرر منها أمريكا استراتيجياً وبالإمكان القول.. هي حرب وقودها عرب وإسرائيليون وفي نهاية الأمر طالت أم قصرت فكما قال هارون الرشيد عن الغيمة.. "سيري فإن خراجك عائد لي".
أمريكا مررت مبادرتها في مجلس الأمن بإجماع خرجت عنه روسيا قليلاً بالامتناع، وفي النهاية هي من حارب وهي من يموّل الحرب، أمريكا لم تبادر بالحرب إلا أنها وفق مواهبها المشهودة تملك القدرة على الاستيلاء على نتائجها..
العالم كله نسي دورها في الحرب كممول وشريك، وها هو يثني عليها بإجماع على مشروعها في مجلس الأمن ولا عجب من ذلك.