ليس غريبا أبدا، أن يخرج كل من استطاع الخروج سبيلا في "بقايا ملامح" قطاع غزة فرحا بما سمعه إعلاميا، بموافقة مجلس الأمن على مشروع قرار يطالب بوقف إطلاق النار، دون أن يقف ثانية حول ما تلاها من بنود أو "محددات"، فكل ما يبحث عنه من استمر حيا، رغم كل ما خسروا كثيرا مما كان لهم قبل يوم 7 أكتوبر 2024.
فرح أكد أن الانتصار على الموت بات ضرورة لا تحتمل "العمق الاستراتيجي" لما سيكون تاليا، ولعل تلك واحدة من أخطر الظواهر السياسية التي أنتجتها "أم النكبات" المعاصرة، بعدما دفع أهل قطاع غزة ثمنا لم يكن له مقابل وطني سوى "هتافات" و "شعارات" من يراقبون الحرب التدميرية عبر شاشات ويبحثون "بطولة" دون دفع "ثمن في الكارثة".
فرح أهل قطاع غزة بما سمعوه عن قرار المجلس يستحق التدقيق الأعمق يوما، وأثر الكارثة التي تركها حدث أكتوبر 2023، على الوعي الوطني العام، وما سيكون له أثر على مستقبل تبدو ملامحه "شديدة الظلام السياسي".
فرحة الناس بوقف الموت والدمار، رافقه ترحيب هو الأسرع في ترحيبات حماس تاريخيا، وسبقت الممثل الرسمي الفلسطيني، ما كشف أنها قدمت "السبت السياسي" علها تنتظر "الأحد السياسي"، رغم معرفتها "الحقيقة السياسية"، ترحيب بدأ وكأنه استجابة لحملة "ترهيب سياسي" كشفت بعض ملامحها وسائل إعلام أمريكية بما ينتظر قادتها "في الخارج" فيما لو عارضت، ولذا هو ترحيب "ذاتي" وليس ترحيب مرتبط بجوهر وطني، خاصة وهي لم تضع تحفظا جديا أو تساؤلا حول جوهر القرار، وعلى طريقتها سارت حركة "الجهاد".
أن ترحب حركات تحت النار السياسية على مستقبلها، لا يبدو مفاجئة، خاصة وأن القرار لا يرتبط بالمسار العام، ولكن المفاجأة كان في موافقة "الرسمية الفلسطينية" على قرار مجلس الأمن، دون وضوح رغم أن جوهره يمثل مقدمة موضوعية لتغيير "التاريخ الوطني"، والتمهيد لـ "تاريخ جديد" يمس جوهريا بكل مكتسبات الثورة الفلسطينية المعاصرة ومنظمة الترحيب والسلطة الوطنية، وأخيرا المكسب الأبرز تمثيلا الاعتراف بدولة فلسطين دولة عضو مراقب زائد، كان ينتظرها معركة لتأكيد حقها التمثيلي.
قرار مجلس الأمن، بمراحله الثلاثة، تجاهل بشكل غريب من هي الجهة الفلسطينية التي عليها القيام بتنفيذ المهام "الإنسانية" في قطاع غزة خلال وقف إطلاق النار، وهل هي قوى أمنية خاصة تعمل على حماية المشهد الداخلي لها ملامح معلومة.
لم يتحدث القرار عن واقع حركة المعابر في قطاع غزة خلال مراحل وقف إطلاق النار، والتي قد تمتد لأكثر من 6 أسابيع، وفقا لمنطق النص، تجاهل يفتح الكثير من علامات الاستفهام، وافتراضا تم الاتفاق على فتح معابر القطاع للعمل، وخاصة معبر رفح، من هي الجهة الفلسطينية صاحبة "الولاية الإدارية" التي لها حق التشغيل، وهل هناك "دور أمني" لدولة الاحتلال.
قرار مجلس الأمن، أكد أنه ( "باتفاق من الطرفين، وقف دائم للأعمال العدائية مقابل إطلاق سراح جميع الرهائن الآخرين الذين يظلون في غزة، وانسحاب كامل للقوات الإسرائيلية من القطاع")، تعبير "العدائية" هنا يحمل مساواة لا قياس لها، فيما يعتبر كل مقاومة لمحتل عمل عدائي كما قيام العدو بتدمير حي كامل..لغة غريبة وشاذة سياسيا، ولكن لم يحدد شرطية ذلك، وكيف يمكن محاسبة جيش دولة الاحتلال فيما لو لم تلتزم، بينما معلوم جدا ما سيكون عكسه.
قرار مجلس الأمن، غابت عنه قوة الإلزام لدولة جيش الاحتلال فيما لو لم تلزم بنصوص القرار ذاته، بما فيها قضايا الانسحاب، بما فيها قواعد تم بنائها ومتى يمكن سحبها، وكيف يمكن مواجهة الخطر الأمني في حركة أهل قطاع غزة جنوبا وشمالا.
قرار مجلس الأمن، ترك اليوم التالي لمضمون "إعلان بايدن" ما يؤسس لتشكيل "إدارة مدنية" خاصة في قطاع غزة تتولى تنفيذ ما سيكون نتاج عن "الشروع في خطة كبرى متعددة السنوات لإعادة إعمار غزة"، دون مرجعية واضحة.
محاولة البعض تمرير فقرة "يكرر مجلس الأمن في قراره تأكيد التزامه الثابت برؤية حل الدولتين الذي تعيش بموجبه دولتان ديمقراطيتان، إسرائيل وفلسطين جنبا إلى جنب في سلام وضمن حدود آمنة ومعترف بها بما يتفق مع القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، ويشدد في هذا الصدد على أهمية توحيد قطاع غزة مع الضفة الغربية تحت السلطة الفلسطينية"، بأنها لا تمس المثيل الوطني والمكاسب التاريخية ليس سوى خداع استراتيجي كونها فقرة مضافة لا ترتبط مطلقا بالمرحلة الانتقالية في قطاع غزة، والتي لم يتم الإشارة مطلقا لوجود رسمي فلسطيني خلالها، ما يشير أن هناك "فصل مؤقت" بين التمثيل المستحدث والتمثيل القديم على طريق خلق مكون يتوافق وصاحب "الإغاثة والإعمار".
نجحت أمريكا، وعبر مجلس الأمن، بجدارة نادرة في رسم مسار فلسطيني جديد، عبر قرار أممي، سيكون سلاح التدمير السياسي للكيانية الوطنية المستقلة.
ماذا بعد..هل يكون الاستسلام السياسي نتاجا لثمن لم يكن مثيلا له تضحية..هل هناك ما يمكن فعله كي لا يكون الدمار السياسي مكملا لدمار مقومات الحياة العامة في قطاع غزة..أسئلة تستحق التفكير لمن يريد أن لا يكون شريكا في مشروع خراب الهيكل الوطني الفلسطيني.
ملاحظة: رئيس مكتب رئيس حكومة دولة الفاشية اليهودية وصف وزير جيشهم بالوقح ويجب طرده بس لانه رفض قانون "الأهودة" برشوة "الحريديم" ..تخيلوا مش متحملين تصويت ركنهم الأمني فمعقول يتحملوا شعب بده استقلاله الوطني..صحتين يا عرب!
تنويه خاص: يوم الإثنين.. الناس اشتغلت بإشاعة عن صحة الرئيس عباس فاق اهتمامها بجلسة مجلس الأمن بكل ما فيها..الغريب انه الرئاسة بتتعامل مع الأمر بكل خفة بدل ما ترد بطريقة تبين فيها ريحة احترام لناس متحملين بلاوي كتير منها..الصراحة بدها كلمة قذافية.