بعدما أمنت أمريكا أنه لا يكون هناك أي فعل عربي، أو رسمي فلسطيني (سلطة وفصائل) نتيجة كشف وسائل إعلام حول دورها "المخابراتي" في مجزرة النصيرات، نشرت تفاصيل جديدة عما تقوم به في قطاع غزة منذ بدء الحرب العدوانية يوم 7 أكتوبر 2023.
في عددها يوم الجمعة 14 يونيو 2024، نشرت صحيفة "واشنطن بوست" تقرير موسع أكدت فيه، بأن "الولايات المتحدة تُعدّ الشريك الاستخباراتي الرئيسي لإسرائيل في عملية البحث عن الأسرى الإسرائيليين في قطاع غزة" و"جمع المعلومات الاستخباراتية عن المُقاتلين في غزة، تشارك بعمل غير عادي عبر الطائرات المسيرة، وصور الأقمار الصناعية، واعتراضات الاتصالات، وتحليل البيانات باستخدام برامج متقدمة، بعضها مدعوم بالذكاء الاصطناعي".
تقرير قد لا يكشف جديدا بالنسبة للمتابعين بدقة دور أميركا الحقيقي، بل وقيادتها، العملية للحرب العدوانية على قطاع غزة، لكنه يقدم "خدمة إعلامية" لتبيان جوهر الحدث الكبير الذي بدأ يوم 7 أكتوبر 2023، وبأنه ليس قضية مرتبطة بخطف "رهائن" أو "قتل عدد من سكان "كيبوتسات"، بل هو مخطط شامل يتجاوز كثيرا حدود قطاع غزة، وحكم حماس الخاص بعد انقلاب يونيو 2014، نحو ترتيبات تخدم "الاستراتيجية الأمريكية" في المنطقة بكاملها.
قيام المخابرات الأمريكية، ومعها بعض عناصر مخابرات دولة الفاشية اليهودية، بتسريب معلومات مفترض أنها "حساسة جدا"، لدولة تقوم بدور تفاوضي تحت بند "وسيط"، ليس عملا "طفوليا" أبدا، وليس بحثا عن "سبق خبري" لدعم وسيلة إعلامية ما استخداما مستقبليا، بل هو جزء من سياسة مدروسة بدأت تزيل كثيرا من الغموض الذي كان.
ولكن، ومع نهاية الحرب على قطاع غزة، بشكلها العسكري، وبداية التحضير للحرب السياسية، في فلسطين وحولها، بدأت إدارة الرئيس الأمريكي تسريب ما يشير إلى دورها الفعلي في الحرب، كضغط مباشر على حكومة التحالف الفاشي في تل أبيب وخاصة رأسه "المتمرد" نتنياهو، وتأكيدا إن القيادة السياسية القادمة ستكون لها، وليس لغيرها.
تسريبات مخابراتية أمريكية أظهرت دورها الحاسم في "منجزات" جيش الفاشية اليهودية في اغتيال رموز من قيادة حماس وجناحا العسكري، وتدمير شبكة أنفاق، لم تكن تحت منظور تل أبيب، رغم ما لديها معلومات حول "مترو أنفاق حماس"، وعل الكشف الأهم للخدمة الأمنية، كانت في اغتيال الرجل الثالث في الترتيب الهرمي لكتائب القسام مروان عيسى، وتدمير عدد من الأنفاق كما زعموا في خانيونس ورفح، ولاحقا عملية استعادة "رهائن النصيرات"، إلى جانب مؤشراتها حول مكان يحيى السنوار، الذي بات هدفا مباشرا للولايات المتحدة وليس لدولة الكيان فحسب، حيث تعتبر إن اغتياله وليس اعتقاله، الخطوة الفاصلة بين "حرب العسكر" و "حرب السياسة".
ومع التسريبات الأمنية الحساسة جدا، التي تعتبر بشكل مباشر شراكة في حرب الإبادة على الشعب الفلسطيني خاصة في قطاع غزة، قامت إدارة بايدن، بتوزيع "رؤيتها السياسية" لليوم التالي للحرب على قطاع غزة، بإنشاء "إدارة مدنية" تحت مجلس وصاية "مختلط"، وفصل انتقالي عن الضفة وتأجيل دولة فلسطين الى زمن لاحق.
وبذات التوقيت، قامت أمريكا أيضا، بالكشف عن لقاء أمني، عبر وسيلة إعلامية معلوم جدا ارتباطها المباشر بها، حول عقد لقاء بين رئيس أركان جيش الفاشية اليهودية هاليفي، ورؤساء أركان دول عربية في عاصمة البحرين المنامة، وتقديرا يكمن هدف اللقاء المركزي بحث المفهوم الأمني لـ "مجلس الوصاية" المفترض لقطاع غزة، وتشكيل "قوات التدخل السريع" الأمريكية الإسرائيلية، مع بعض من "الطواقي الزرق"، إلى جانب ما يمكن أن يكون من ترتيبات خاصة في البحر الأحمر.
كشف "الشراكة المخابراتية الأمريكية" في الحرب على قطاع غزة بالتزامن مع كشف "رؤيتها السياسية"، واللقاء الأمني في البحرين، كلها مؤشرات حقيقية على أن إدارة بايدن بدأت الانتقال من مرحلة وضع حجر الأساس لليوم التالي إلى عملية "بناء هيكل سياسي" في غزة وفقا لخدمة مشروع "الهيكل السياسي الأمريكي التهويدي العام".
لم يعد الأمر حديثا عن ملامح "اليوم التالي" لحرب غزة، بل أصبحت عناصره تتكامل واحدة مع أخرى، مع ظهور رؤية أميركا المستقبلية لفلسطين والمنطقة.
وطبعا يبرز السؤال الممل ـ وماذا بعد.. ليبقى سؤال للتفكير لمن لا زال لديهم "بقايا تفكير".