للانقسام الفلسطيني أكثر من توصيف، ولو أن المصطلحات الأكثر تداولاً أنه انقسام بين فتح وحماس، وانقسام بين سلطة رام الله وسلطة غزة، وانقسام بين أهل المقاومة المسلحة وأهل التسوية.
كل هذه المصطلحات حقيقية بحكم الواقع الذي يؤكدها جميعا، وبحكم الفشل المتمادي الذي وصلت إليه محاولات المصالحة، وهو بالمناسبة فشل مزمن، إذ تجاوز عمره السبعة عشر سنة، ولا بصيص أمل يشير إلى إنهاءه. غير أن الفشل المزمن أفرز مفارقات تشبه ورقة التوت التي يغطي بها كلٌ عورته، منها مثلاً أن أقطاب الانقسام يتحدثون بإسهاب عن مساوئه وأخطاره على القضية الوطنية، ولكنهم في الوقت ذاته يعملون بدأب ومواظبة على الاحتفاظ به وتعميقه، وسدّ كل الطرق المؤدية إلى إنهاءه.
آخر ما يجري تداوله في هذا الشأن إرجاء السفر إلى بكين، حيث المحاولة الصينية التي ورثت المحاولة الروسية، والتي بدورها كانت ورثت الجزائرية، والتي كذلك ورثت المصرية وهكذا من البداية إلى اللانهاية.
الدول التي تستضيف، لا يهمها كثيراً النجاح أو الفشل، بقدر ما يهمها الاستثمار في هذا الحق كجزء من استثماراتها الأوسع في الشرق الأوسط.
الصين دولة عظمى صبورة بطيئة الحركة ولا تستسلم للفشل بسهولة، فقد تجدد دعوتها أو أنها تعتبرها ما تزال قائمة، غير أن الحقيقة التي تفرض نفسها في هذا الشأن، أن أطراف الانقسام وهي عديدة، ومتداخلة ربطت أجنداتها ومصائرها باستمراره، وهذا ما لا نحتاج إلى براهين عليه، إذ يكفي ما حدث على مدى أكثر من سبعة عشر سنة حفلت بمصائب حلّت بالشعب الفلسطيني دون أن تحرك جمود المصالحة ولو قليلاً.
لقد أحسن الشعب الفلسطيني صنعاً حين تجاهل حكاية الانقسام والمصالحة، دون أن يتجاهل مهمته الأساسية في هذه المرحلة بالذات، وهي الصمود على الأرض والتشبث بها، وعدم التفكير بمغادرتها إلى أي مكان مهما كانت الضغوط والإغراءات، فذلك هو الأساس الذي يخشاه المحتلون، ولا يجدون حلاً له.