لبنان.. البلد الجميل إن لم يكن الأجمل.. كان منذ زمن طويل مسرحاً لحروب متعددة الأطراف، منها الخارجي ومنها الداخلي.
في تاريخه الحديث.. كان الثابت الدائم هو الحرب، أمّا الهدوء فلم يكن أكثر من فترات قصيرة، إلا أنها كانت كافية لأن يستعيد البلد حياته وجماله وتميزه عن كل ما يحيط به من كيانات ومجتمعات.
تعوّد لبنان على انقساماته الداخلية، وعلى حروب المندوبين، وعلى البقاء لفترة طويلة بلا رئيس ولا حتى رئيس وزراء كامل المواصفات والصلاحيات..
تعوّد على أن تغمر القمامة أجمل مدن الدنيا بيروت، وأن يُفتقد الخبز من الأسواق وحتى المطاعم، وأن تخلو السيارات من الوقود، وأن يدمّر الميناء وتتصدع مبانٍ في أحياء لم تعد صالحة للحياة، وأن يموت المئات بالجملة والتقسيط، وأن يدخل الناس في متاهات الإجابة عن سؤال من الذي فعل ذلك؟ ولماذا؟
لا خلاص من الظاهرة لبنان، لا من داخله ولا من خارجه، فهذا بلد في روحه مناعة من الموت، وفي جيناته مكونات إبداع غير متوفرة لدى غيره، معادلة لبنان الموت عابر والحياة دائمة.
هذا البلد الظاهرة، تقترح له إسرائيل حلاً انتحارياً هو إعادته إلى العصر الحجري، أي إلى بلدٍ لا حياة آدمية فيه، هكذا وعد وزير الجيش الإسرائيلي غالانت، وقبله نتنياهو وشارون، أمّا الضمير المعلن لإسرائيل المستترة سموتريتش، فيقول أكثر من ذلك، فهو يريد رؤية رام الله نسخة طبق الأصل عن غزة، وربما عمان كذلك، والأولوية الآن لبيروت.
حكاية العصر الحجري الذي يتباهى قادة إسرائيل بقدرتهم لفرضه على لبنان الجميل، هي في الواقع حلم أسود يراود روحهم السوداء، أمّا لبنان فقوة الحياة فيه أكبر وأعمق بكثير من سطحية الدمار الذي يتوعدونه به.
عاش لبنان وسيعش كما كان من الأزل وإلى الأزل، ولو كان في هذا العالم الأمريكي بعض عدالة، لسجن غالانت على تهديده الذي أطلقه من البنتاغون، ولكن ما الحيلة ما دام الرئيس والمرشح يتنافسان على نفاقه والحصول على رضاه!
قادة إسرائيل الذين يتوعدون بإعادة لبنان إلى العصر الحجري، وغالباً من قلب واشنطن حيث القنابل الذكية والغبية والتقليدية والثقيلة من مختلف الأوزان والأطنان، هؤلاء القادة اختاروا لأنفسهم ولدولتهم الجانب المستحيل من التاريخ، الذي قالت عبره الدائمة والبليغة، أن قوة الحياة في بلدين صغيرين وأعزلين من سلاح الدمار الشامل، لبنان وفلسطين هي القوة السحرية التي لا تُهزم.. وليقرأوا بدقة وقائع الصراع منذ بداياته حتى أيامنا هذه.