وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش تحدث عن منع الضفة الغربية المحتلة من أن تصبح جزءا من دولة فلسطينية مستقلة، وذلك وفقا لتسجيل صوتي مسرب لخطاب ألقاه في وقت سابق من هذا الشهر، ما جعل الكثيرين من السياسيين والمحللين يستنكرون ويطلقون الشجب والوعيد.
هذا جعلني أستنتج بأن الواقع الحالي وتغيراته غير مرئية لدى الكثيرين، لأن جغرافية الضفة الغربية تم تغييرها كلياً من جسور، وطرق جديدة، وإغلاق طرق، ومسارات ورؤية مرورية مختلفة؛ ما جعل بعض القرى والبلدان الفلسطينية تموت موتا بطيئا وبلدة حوارة خير مثال.
ما قاله سموتريتش، إن الطريقة لمنع قيام دولة فلسطينية تشكل خطرا على دولة إسرائيل هي تطوير المستوطنات اليهودية "الهدف هو تغيير الحمض النووي للنظام لسنوات عديدة"، ويضيف، "بعد 7 أكتوبر، أصبح هذا توافقا في المجتمع الإسرائيلي. الطريقة هي تطوير المستوطنات ونحن نركز على تنفيذ عمليات هيكلية واسعة ستؤدي إلى تطوير دولة إسرائيل للمستوطنات بشكل منتظم". سموتريتش هو فعليا وزير المستوطنات بسلطات تمتد، إلى حد ما، لتشمل حياة الفلسطينيين في الضفة الغربية.
تعرف المحكمة العليا الإسرائيلية السيطرة الإسرائيلية على الضفة الغربية كاحتلال عسكري مؤقت بدلاً من ضم الأرض تحت إدارة مدنية. لكن سموتريتش، الذي يعيش بنفسه في مستوطنة، عارض إنشاء دولة فلسطينية مستقلة. كما دعا منذ فترة طويلة إلى توسيع المستوطنات التي تعتبر غير قانونية بموجب القانون الدولي ومن قبل الكثير من دول المجتمع الدولي.
بالنسبة سموتريتش، هذه أوقات عظيمة. بينما ينشغل بقية الإسرائيليين بالحرب على غزة، ومصير الرهائن المحتجزين من قبل "حماس"، وقصف "حزب الله"، هو يحقق حلمه بتهيئة الظروف التي ستؤدي إلى ضم إسرائيل للضفة الغربية. في الواقع، سهلت الحرب خططه بطرق عديدة. نادراً ما، إن كان هناك مرة، يلفظ سموتريتش كلمة "الضم".
دون أدنى شك، هو يؤمن بالحق الإلهي لليهود في الأرض بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط، لا يعتبر سموتريتش الضفة الغربية أرضا لتضاف إلى دولة إسرائيل ولكن كإرث يجب فقط المطالبة به. كما قال لصحيفة "هآرتس" في مقابلة قبل أكثر من سبع سنوات، فإن الدولة الفلسطينية ستكون بمثابة تقسيم لإسرائيل؛ وامتصاص الضفة الغربية في إسرائيل هو "توحيد".
على أي حال، فإن الشكليات القانونية المتعلقة بالضم أقل أهمية لسموتريتش من خلق الظروف التي ستؤدي إلى ذلك. لتحقيق ذلك، يتبع استراتيجية ذات شقين، حيث تتضمن من جهة تغيير القوانين وخلق بيروقراطية ملائمة للمستوطنين ومن جهة أخرى المساعدة في تأجيج العنف والفوضى في الضفة الغربية. وكما أشار عدة مرات، فإن الحدث الرئيس في عملية "التوحيد" سيكون انهيار السلطة الفلسطينية، ما يترك إسرائيل دون خيار سوى ملء الفراغ وإعادة بسط السيطرة على الضفة الغربية بالكامل.
لكن بالنسبة له، فإن انهيار السلطة الفلسطينية هو أولويته الكبرى. هنا يأتي دوره كوزير للمالية لأن الاستراتيجية هي خنق السلطة ماليا. ولديه القدرة على القيام بذلك لأن حوالى 60% من الإيرادات التي تعتمد عليها السلطة لدفع الرواتب وتقديم الخدمات تأتي من الجمارك والضرائب الأخرى التي تجمعها إسرائيل باسم السلطة، وتحول الأموال إلى وزارة المالية في رام الله كل شهر.
في الأسابيع الأخيرة، عزز سموتريتش سيطرته بشكل أكبر، حيث جعل هليل روث، المقيم في مستوطنة "يتسهار" المتطرفة، كنائب رئيس الإدارة المدنية بسلطة على مجموعة متنوعة من المجالات بدءا من لوائح البناء والبنية التحتية للمياه وصولاً إلى المتنزهات وأماكن الاستجمام العامة في الهواء الطلق.
قد يبدو التحكم في أماكن الاستجمام العامة عملا ثانويا مثل صيد الكلاب، لكنه ليس كذلك: جزء كبير من الصراع على مستقبل الضفة الغربية يتعلق بالديموغرافيا - زيادة عدد المستوطنين - والسيطرة على الأرض. تهدف إدارة المستوطنات إلى تزويد المستوطنين بالأدوات اللازمة لتحقيق ذلك بشكل أكثر فعالية. الينابيع الطبيعية التي تنتشر في الضفة الغربية تخدم المزارعين الفلسطينيين وكذلك المستجمين الإسرائيليين وتشكل واحدة من العديد من ساحات المعارك للسيطرة على الأرض ومواردها.
بالتأكيد، سموتريتش ليس مسؤولاً عن ضبط العنف الاستيطاني. المسؤولية عن ذلك يتقاسمها زميله اليميني المتطرف، إيتمار بن غفير، الذي يشرف كوزير للأمن القومي على الشرطة، حتى الناخبون اليمينيون المتطرفون لا يبدو أنهم معجبون بسموتريتش - يفضلون بوضوح البلطجة الصاخبة لبن غفير على حسابات سموتريتش الدقيقة (وغالبا خلف الكواليس). إذا أجريت الانتخابات، اليوم، وفقا لأحدث الاستطلاعات، فإن حزب "عوتسما يهوديت" التابع لبن غفير سيفوز بتسعة مقاعد في البرلمان الإسرائيلي المؤلف من 120 عضوا؛ بينما لن يحصل حزب "الصهيونية الدينية" التابع لسموتريتش على أصوات كافية لدخول الكنيست على الإطلاق. ولكن مرة أخرى، بالنسبة له، ما يهمه هو ما يراه كحق إلهي.