الذين يراقبون ما يجري بين الأطراف الأساسية المشاركة في محادثات الهدنة والتبادل، لا يعرفون ماذا يجري بالضبط. كل الذي يعرفونه يتم من خلال تسريبات لا تعكس الحقيقة، بقدر ما تعكس حاجة المتفاوضين، تارة يكون ما يتسرب مفرط في التفاؤل ليس لأنه كذلك، وإنما لحاجة الأطراف والوسطاء لإشاعة هذا الجو كعامل ضغط على من يتخذ مواقف متشددة.
هكذا سارت الأمور منذ أول محاولة لإنجاح هدنة وتبادل، ما أنتج فشلاً دائماً وابتعاداً عن إنجاز صفقة ولو بحجم صغير.
لعل أحد الأسباب التي أفشلت محاولات الماضي وربما تفشل محادثات الحاضر. هي انعدام التوازن بين الأطراف الأربعة التي تؤدي الدور ولكل منها مكانة خاصة في اللعبة.
الطرف العربي – حماس تقاتل على الأرض، ومصر تمتلك الجغرافيا.. وقطر تمتلك التأثير على حماس، فوجود قيادتها في الدوحة ليس إيواءً فندقياً، بل وفق أجندة سياسية.
هذه الأطراف الثلاثة "العربية" تواجه طرفين شريكين في الحرب بصورة مباشرة، وهم في واقع الأمر طرف واحد، فالأمريكيون يحاربون ويتوسطون، وهنا يكمن جذر حالة اللاتوازن بين أطراف اللعبة.
فالأمريكيون مثلاً وهم أصحاب المبادرة الأخيرة التي أعلنها الرئيس بايدن، وقال إنها مشتقة من الموافقات الإسرائيلية جميعاً، رحّبوا بالموافقات العربية عليها، غير أنهم منحوا الإسرائيليين حق التفسير الخاص بهم لبنودها، وهذا وضع الإسرائيليين في حالة مزدوجة عرفوا كيف يستفيدون منها، فهم أصحاب المبادرة وهم المعترضون عليها، معتمدين على أن الشريك الأمريكي سوف يحمّل المسؤولية لحماس بصورة تلقائية حتى ولو دون أدلة وينجي نتنياهو من تهمة الإعاقة وهذا ما حدث خلال الشهور الماضية.
إذا استمرت اللعبة بهذه الطريقة فلا أمل بنجاح لصفقة جزئياً أو كلياً، أمّا إذا تغير الموقف الأمريكي وسحب تأثيره على إسرائيل فربما يستعاد بعض التوازن ولكن هل تفعل أمريكا ذلك في موسم الانتخابات والانكسار المروع، لمرشح الديموقراطيين فيها؟.