في العاصمة الصينية بكين، حضرت الفصائل كلها، وباختصار جددت الاتفاق على ما جرى الاتفاق عليه وأشير اليه اختصاراً بوثيقتي مايو 2011 في القاهرة وأكتوبر 2022 في الجزائر (وبين هاتين الوثيقتين: إعلان القاهرة مارس 2005، اتفاق وثيقة الأسرى مايو 2006، اتفاق عباس وهنية سبتمبر 2006، اتفاقية مكة فبراير 2007، إعلان صنعاء في مارس 2008، جولة القاهرة في فبراير 2009 تمخضت عن اتفاق تشكيل حكومة وحدة وطنية، ثم وثيقة مصرية جديدة في أوائل سبتمبر 2010، وفي إبريل 2011 اتفاق على تشكيل حكومة انتقالية وإجراء انتخابات، وفي مايو 2011 حفل التوقيع، على وثيقة تفصيلية شاملة كل المسائل، بحضور حاشد في القاهرة.
وفي فبراير 2012 كأنما لا شيء تم الاتفاق عليه، فجاءت اتفاقية الدوحة، وفي إبريل 2014 اتفاقية غزة ـ القاهرة، ثم اتفاق القاهرة في اكتوبر 2017 وتوزيع الحلوى في غزة ابتهاجاً، وفي يوليو 2020 إعلان الرجوب والعاروري عن "اتفاق عمل مشترك لمواجهة صفقة القرن". وفي سبتمبر 2020 مؤتمر الأمناء العامين بتقنية الفيديو كونفرانس، وإعلان عباس: «أدعو هنا، إلى حوار وطني شامل، كما أدعو حركتي فتح وحماس بالذات إلى الشروع في حوار لإقرار آليات إنهاء الانقسام، نريد أن نجلس ونتفق، ووفق مبدأ أننا شعب واحد، ونظام سياسي واحد، لتحقيق أهداف وطموحات شعبنا».
يوم 13 أكتوبر 2022 أقيم حفل التوقيع في الجزائر، كأنما لا شيء قبله. تبودلت التهاني وذُرفت الدموع، وأعلن إسماعيل هنية:"إنه يوم فرح في فلسطين والجزائر ولمن يحب القضية الفلسطينية، ولكنه يوم حزن على الكيان الصهيوني"!
في المحصلة، لا نحن فرحنا ولا العدو حزِن بتأثير اتفاقنا. فقد ظل سعيدا بانقسام الفصائل، وكان الجميع من جانبنا يكذب.
كل طرف كان يستمتع بسلطاته، ولا طرف يقدّر مغبة الاستمرار في الانقسام. أما المؤرخ، أيا كان، فسيكتب حتماً أن انقسامهم هو الذي ضيّع البوصلة وجلب الكارثة.
أطلبوا العلم ـ وليس المصالحة ـ ولو من الصين. فخلال عشرة أيام إن لم تُر ترجمة عملية لما جاء في نص "إعلان بكين" فلن تصدمنا الحلقة الأخيرة من مسلسل الأكاذيب، لأن المرء أو الرهط، عندما يكذب ويكذب ويكذب، يُعَدُ عند الله كذاباً!
هذا محض سرد، أما التحليل الذي يستبطن دوافع الكذب نفسه، فله سياق آخر.