عاد رأس التحالف الحكومي الفاشي في دولة الكيان نتنياهو ليعيد ترتيب أوراقه، ويحاصر الحملة التي كادت أن ترسله إلى "صندوق الذكريات السياسية"، بعدما وضع خطوطه الحمراء المتحركة بين 4 أو 5 أو أقل قليلا، ونجح معها على كسر موقف حركة حماس لتقبل بإطار بايدن، أو ما بات يعرف بقرار مجلس الأمن 2735 حول صفقة التبادل ووقف إطلاق النار.
لم يعد سرا، بأن نتنياهو استخدم تنازل حماس الجوهري، تحت ضغوط شتى، بين الواقع الميداني وواقع الإقامة "السياسية"، وتخليها عن "شرطية التنفيذ المتوازي" لعناصر القرار إلى التنفيذ المتتالي"، بما يفقده أي ضمانة تالية فيما لو توقف طرف دولة اليهود الفاشية عن المضي قدما بالتنفيذ.
ولم يخف نتنياهو ذلك أبدا، فخلال وجوده بواشنطن، وقبل خطابه الرابع أمام الكونغرس (سيكون أول مسؤول عالمي يتحدث 4 مرات)، قال بوضوح شديد إن "الضغط العسكري" هو ما أجبر حماس على قبول مقترح بايدن، ومزيدا من ذلك سيجبرها التنازل أكثر وأكثر.
بعيدا عن "المحللين التلفزيونيين" أو "خطباء المظاهرات" خارج قطاع غزة، والذين يبحثون أي "نصر" بسب ارتفاع منسوب الهزيمة بداخلهم، فواقع مسار الحرب العدوانية هو ما يؤدي الى رسم لوحة التفاوض وعناصرها، ولذا فمن السذاجة السياسية اعتقاد أن نتنياهو سيكون مجبرا على المضي بها، رغم تنامي حركة المعارضة، بما فيها داخل المؤسسة الأمنية التي أعلنت "انشقاقا علنيا" في سابقة فريدة مع رئيس حكومة حول الاتفاق.
نتنياهو، الذي طالبت شخصيات مركزية في دولة الكيان، من قيادة الكونغرس وعبر رسالة منشورة باعتباره تهديد وجودي لدولة الكيان، وخروج حركة احتجاج واسعة في الولايات المتحدة بينهم يهود نوب ومنظمات، لا يقف أمام تلك المسألة أبدا، مع مراقبته بأنه أصبح "خبرا مركزيا" في انتظار الخطاب، سيجده فرصة نادرة ليبدو "الزعيم القوي" دفاعا عن دولة تعرضت لـ "تهديد وجودي" يوم 7 أكتوبر 2023، في مكذبة تاريخية مضافة.
الحديث عن إمكانية التوصل إلى "توافق" على قاعدة تنازل حماس الأول، ذلك بات مطلبا منسيا، ولن يحدث أبدا، وفقا لمسار حديث نتنياهو قبل الذهاب إلى أمريكا أو خلالها، وموافقته على إرسال وفد التفاوض إلى الدوحة أو القاهرة ربطها بمسار لقاءاته وتغير موعدها وفقا لذلك، ما يشير أنها عملية تكتيكية لتخفيف حملة الغضب الأمريكي نحو موقفه المحرج لإدارة بايدن، الذي يحمل قرار مجلس الأمن بصمتها السياسية الكاملة.
وكي لا يذهب البعض نحو "تفاؤل متداخل " فما سيكون أن نتنياهو بعدما ينتهي من "الشو الاستعراضي" في الولايات المتحدة وحصوله على "نجومية سياسية" لم يرها "مسؤول عالمي غيره"، سيعود ليؤكد أن الاتفاق وفق الخطوط الحمراء المرتبطة بعدم الانسحاب من محور فيلادلفيا ومعها بالتأكيد معبر فح، وسيحاول القبول بصيغة ما دون أن تنهي أصل البقاء الاحتلالي، فيما سيضع محور نتساريم شرطا لا فكاك منه، تحت بند مراقبة الحركة، لكنها في الحقيقة لتكريس انقسام قطاع غزة، مع فتح قضية العودة للحرب في وقت ما.
نتنياهو خلال رحلة أمريكا، أعاد صياغة موقفه ليبدأ بأن الاتفاق ممكن ومقبول، بشرط، بديلا لمقولة الاتفاق مرفوض ما لم يتم وفق شروط، وهي مسألة تسللت سريعا للإعلام الأمريكي والعبري، الذي أعاد صياغة الحملة من "السلبية المطلقة إلى الإيجابية النسبية"، وتلك جوهر ما يريده في الوقت الراهن، ليعود حاملا سيفه السياسي على رقبة حماس والمعارضة في الكيان.
محاولة إظهار أن نتنياهو تحت ضغط سيجبره على المضي نحو "صفقة التبادل" دون خطوطه الحمراء..تلك مقولة لا واقعية أبدا، ولن يذهب لأي اتفاق قبل شهر نوفمبر القادم موعد الانتخابات الأمريكية، ما لم يحدث "تطور ميداني" يكسر "العقدة العالقة".
هل تتمكن حماس من "مقاومة الضغط القادم" لفرض تنازل مضاف، بمسميات مختلفة..أم تبدأ رفع "رايتها السياسية" استعدادا لخدعة "اليوم التالي" التي بدأت تطل برأسها..تلك هي المسألة.