كانت هجرة الشبان من غزة إلى الخارج للحصول على فرص للعمل بعد انعدامها في القطاع جراء الحصار الإسرائيلي والأوضاع المادية الصعبة ، سائدة ومنتشرة إلى حد كبير حتى موعد الحرب في السابع من اكتوبر الماضي ، ورغم ما تحمله هذه الهجرة غير الشرعية من مخاطر عديدة إلا انها شكلت متنفسا للشبان الباحثين عن فرص العمل للحصول على لقمة العيش في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها قطاع غزة المحاصر وفي ظل عدم وجود الية للتوافق السياسي …
كان قطاع غزة يعاني في السنوات الماضية من أسوأ مؤشرات اقتصادية، ما فرض ضغوطات كبيرة على المواطنين اضافة لارتفاع معدلات البطالة وتصنيف نصف سكان قطاع غزة بالفقراء وهذا الواقع نجم بسبب الاحتلال الإسرائيلي، وأدى إلى "انسداد الأفق للشباب الفلسطيني"، ما يدفعهم للهجرة.
لكن ما يحدث اليوم في غزة جراء العدوان المتواصل الذي دمر كل شيئ في القطاع ، لم يفرض على شريحة من الشباب مغادرة القطاع للبحث عن فرص عمل لوحدها ، وانما شرائح اخرى من بينها فئة كبار السن والرجال والنساء ، الذين يهمهم البحث عن أماكن آمنة يتوجهون اليها في ظل حرب القتل التي لم ترحم ، لا صغير ولا كبير ، وبالتالي يبحثون عن استقرار مؤقت في الدول المجاورة وخصوصا مصر التي يتواجد فيها اليوم الاف الغزيين الذين فروا من ويلات الحرب والقصف الإسرائيلي المدمر ، باستغلال العبور عبر معبر رفح قبل احتلاله من الجيش الاسرائيلي وإغلاقه كليا ..
يطرح سؤال مهم نفسه في هذه القضية الجوهرية ، هل سيعود من هاجر من القطاع إلى مكانه الأصلي وموطن سكنه ، أم انه سيبقى في الخارج ليعيش غربة قسرية فرضتها ظروف القطاع والحياة الصعبة جراء العدوان ؟
لا بد من نهاية حتمية وحقيقية للحرب حتى يشعر مواطنو قطاع غزة بالهدوء والسلم والامان ليعودوا إلى بيوتهم واماكن سكنهم التي من الصعب ان يغادروها إلى الابد ففيها ذكرياتهم وحياتهم وقصص طفولتهم ونشأتهم ، كيف لا وغزة صاحبة الكثافة السكانية الأعلى في العالم ، هي موطن دافئ لا تنتهي حكاياته الجميلة ، ومن هنا فالعودة حتمية دون ادنى تقدير ، ولكن متى وكيف ؟
رغم ذلك قد يبقى عدد من مواطني القطاع في الخارج لحين ترميم واعادة اعمار غزة التي ستستغرق سنوات طويلة ، وان قرر البعض البقاء في الغربة فان ذلك سيعود لاسباب رئيسية تتعلق بحصولهم على فرص عمل وتأسيس حياة جديدة ، لكن الغالبية الساحقة من المواطنين الذين غادروا القطاع ، لن يترددوا بالعودة ولو للحظة واحدة لاعمار مدنهم وإحيائهم ومخيماتهم وقراهم ، واهل غزة معروف عنهم بالصبر والجلد ومكابدة اصعب الظروف ، وبالتالي لن تعيقهم عمليات التدمير ، فهم قادرون على ترميم ما يمكن ترميمه وسيخلقون من وقائع الموت التي يعيشها القطاع مشاهد حية لاستعادة النبض والحياة بأبسط الظروف كما كانوا من قبل بانتظار تحسن الظروف والأوضاع ..
لن تؤثر هجرة الغزيين بشيئ على أنماط الحياة وتقاليدها في غزة وسيعودون باسرع وقت ممكن ليستكملوا فصول حياتهم رغم كل الظروف الصعبة ، ولكن يتوجب على العالم ان ينظر لمعاناتهم بعين الرحمة وان يهب لمساعدتهم من اجل بناء قطاعهم الذي يعتبرونه الهواء الذي يتنفسونه ولن يعيشوا من دونه اطلاقا