- 10 شهداء في قصف مدفعي لحي البركة بمدينة بيت لاهيا شمال غزة
رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو في الكونغرس الأميركي، للمرّة الرابعة، متفوّقاً على رئيس الوزراء البريطاني الأسبق ونستون تشرتشل، إبّان الحرب العالمية الثانية، حيث تردّد على مجلس الشيوخ ثلاث مرّات، لتحفيز الولايات المتحدة على الانخراط الفعلي والكلّي في الحرب ضد الزعيم النازي أدولف هتلر وشركائه.
وهذه المرّة، أراد نتنياهو أن يحفّز الولايات المتحدة، على مواصلة الانخراط في الحرب، لمواجهة ما يقول إنه الحلف الإيراني بأذرعه المختلفة التي تهدّد المصالح الأميركية، في المنطقة، وبقاء الدولة العبرية.
كان بودّه لو أنّه وسّع دائرة التهديدات، التي تستهدف الحليفين الأميركي والإسرائيلي، بالحديث عن حلف أوسع يضمّ الصين وروسيا وكوريا الشمالية، إلى جانب إيران، لكن حساباته تمنعه من هذا التصريح.
في بيئته الطبيعية وجد نتنياهو نفسه، فثمة من ورثوا ثقافة الإبادة الجماعية، والتمييز العنصري، حيث نهضت الحضارة الأميركية الحديثة على جثث الهنود الحمر أصحاب الأرض الأصليين.
وها هو نتنياهو يقتفي أثر أسلاف وأحفاد من أقاموا إمبراطوريتهم على جثث وحضارة سكان البلاد، ولأنّ الجذور واحدة فإنّ الطرفين لا يعترفان، بأنّ دولة الاحتلال تشنّ حرب إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني.
إن أدانت الولايات المتحدة دولة الاحتلال بارتكاب جرائم إبادة، هي شريكة فيها فإنّها ستكون، أيضاً، قد اتهمت النظام الأميركي بالتهمة ذاتها.
أمام الكونغرس، وفي غياب، أكثر من مئة مشرّع ديمقراطي واحتجاج آخرين في القاعة، مارس نتنياهو، أفضل مهاراته في الكذب والوقاحة والعنجهية.
كان من غير الطبيعي أو المنطقي ألا يحظى خطابه بالتصفيق الحارّ من قبل من وجهوا الدعوة له لإلقاء خطابه، غير أنّ استمرار التصفيق لأكثر من ساعة، لخطاب مدّته أقلّ من ساعة، إنّما يؤكد المؤكد، من أنّ الولايات المتحدة هي رأس الشرّ والعدوانية في العالم.
ربما كان خلف هذا الحماس الزائد، الذي لم يحظ به رئيس أميركي أمام الكونغرس، محاولة لشراء الصوت اليهودي وتعميق حالة الاستقطاب.
لم لا والمرشّح دونالد ترامب، أشار صراحة إلى أنّه سيستغرب إذا أدلى أيّ يهودي أميركي بصوته لصالح المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس.
كان على ترامب أن يلاحظ بأنّ ثمة أعداداً كبيرة من يهود الولايات المتحدة، تحوّلت عن دعمها للدولة العبرية، وتصعّد نشاطاتها لوقف الحرب العدوانية ووقف إرسال الأسلحة الأميركية لتلك الحرب البشعة.
وكما أنّ زيارة نتنياهو شكّلت اختراقاً تاريخياً من حيث عدد المرّات التي تردّد خلالها على الكونغرس، فإنّ الولايات المتحدة لم تشهد مثل هذه التناقضات والانقسامات، والاحتجاجات على سياسة الإدارة، وعلى الحرب الدموية والتدميرية التي تشنّها دولة الاحتلال وفق قيم لا تعرف الإنسانية، وقيمها.
أراد نتنياهو أن يحظى بموافقة أميركية، من الحزبين المتنافسين على رؤيته لمفاوضات الصفقة، وتأمين تدفّق الأسلحة والذخائر، وضمان استمرار الحرب، ولكنه وقع في تناقض بين خيارين: إمّا المحافظة على ائتلافه، أو التنكُّر لمطالبة «الجمهوريين» و»الديمقراطيين» له بوقف الحرب.
وأراد، أيضاً، الظهور أمام المجتمع الاستيطاني، على أنّه البطل التاريخي الذي يصمد أمام كلّ العواصف، ويتمتّع بكلّ التصميم اللازم حتى لو أنّه يواجه اعتراضات من أهمّ حلفاء دولة الاحتلال، وقد حقق تحسُّناً في آخر استطلاع للرأي.
للمرّة الأولى منذ الحرب الهمجية، يحصل «الليكود» على عدد متساوٍ مع معسكر الدولة بواقع 24 مقعداً، فيما ترتفع حصة ائتلافه إلى 53 مقعداً لو جرت الانتخابات اليوم.
لقد شكّل التصفيق الحارّ من قبل أعضاء الكونغرس ملهماً لنتنياهو، الذي يصرّ على مواصلة الحرب العدوانية، بالرغم من أنّ إدارة جو بايدن، وكلا المرشّحين للرئاسة ترامب وهاريس يطالبون بوقف فوري للحرب.
«فقط اعطونا السلاح، ونحن نُكمِل المهمّة لتحقيق النصر الكامل»، هذا ما يطلبه نتنياهو، ولم تقصّر معه الإدارة الأميركية الراهنة، ويعلن كذلك أنّه يدافع عن حق الدولة العبرية في الوجود، وعن الولايات المتحدة ومصالحها في المنطقة، ولكن الأغرب المخجل أن يقدّم نفسه على أنّه يدافع عن العرب، الذين سيعمل على إقامة «حلف دفاعي» معهم لحمايتهم من الخطر الإيراني.
لم يتغير الحال بين بايدن الصهيوني، ونتنياهو اليهودي الصهيوني، لكن الأخير يفضّل أن يضع رأسه على كتف ترامب، فهو الأفضل بسبب تشابه الخصائص الشخصية، فكلاهما شعبوي بامتياز ومغرور بامتياز ومتطرّف دون ضوابط.
المرشّحة الديمقراطية هاريس التي أعادت توحيد حزبها، واستقطبت أموال التبرعات قدمت خطاباً مختلفاً، أغضب نتنياهو وحلفاءه في الائتلاف.
كلام هاريس عن الأبعاد الإنسانية لأهل قطاع غزّة، وكأنها تُكذّب علناً ادعاءات نتنياهو أمام الكونغرس، ليس هذا وحسب بل إن نبرتها وخطابها ينطويان على بعد نقدي وتحذيري لنتنياهو.
تذكرنا هاريس، بلونها المائل للسُمرة، واختصاصها، بالرئيس السابق باراك أوباما الذي اعترف بأنّه خالف فطرته حين امتنع عن إظهار دعمه وتعاطفه مع القضية الفلسطينية.
أوباما بدأ من موقع خلافي مع نتنياهو، حين دعا لتجميد كلّي للاستيطان وقدّم مقاربة تربط بين ملف السلام، وملف إيران، غير أنّه خسر معركته مع نتنياهو الذي واصل الاستيطان، ودفع ملف السلام إلى الظلام، ودفع ملف إيران إلى الواجهة.
ربما لذلك أراد أوباما أن ينهي فترته الرئاسية الثانية، بالسماح لمجلس الأمن، بإصدار قرار (2334) الذي يقضي باعتبار الاستيطان غير شرعي ويطالب بوقفه.
هاريس لم تغادر ولا نتوقع منها أن تغادر جوهر السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، وتجاه القضية الفلسطينية، ذلك أن جملتها الأولى هي التأكيد على حقّ دولة الاحتلال في الدفاع عن النفس، والتزام الولايات المتحدة تجاه أمنها ووجودها، ولكنها ربما أرادت أن تعبّر عن خلافها مع بايدن إزاء ما يجري في قطاع غزة، بهدف بلورة شخصية مستقلة مؤهلة لقيادة الدولة العظمى، وأنّها ليست إمّعة، أو تتقمّص شخصية أخرى لا تشبهها.
أميركا نشأت على جثث الهنود الحمر، ولكنّ الشعب الفلسطيني ليس هنوداً حمراً، وما نجحت فيه أميركا لن تنجح فيه الدولة العبرية.