لا زال خبر إهانة بلاد فارس "الكبرى" عبر عملية اغتيال إسماعيل هنية رئيس حركة حماس، فجر اليوم التالي لتنصيب رئيسها المنتخب يوم 31 يوليو 2024، خاصة وتزامنها ساعات بعد اغتيال أبرز شخصية في حزب الله، امتدادها الأمني في لبنان، هو الحدث الأبرز عالميا، ارتباطا بما سيكون وليس بما كان.
الإهانة التي نالت "شرف" الدولة الفارسية، كما وصفها امتداها الأبرز حسن نصرالله، وضعتها أمام واقع قد يكون "الأكثر خطورة" لها منذ سنوات، وربما فاق كثيرا اهانتها يوم 30 أبريل 2018 حيث تم الكشف لأول مرة عن قيام جهاز "الموساد" لدولة العدو الاحلالي بسرقة نحو 55 ألف وثيقة، وعشرات الأقراص المدمجة تتعلق بأرشيف إيران النووي، وذلك إثر عملية اقتحام ناجحة لمخبأ سري ضواحي طهران، وتتجاوز بالتأكيد عملية اغتيال قاسمي سليماني يناير 2020 في مطار بغداد عبر عملية أمريكية.
"إهانة" 31 يوليو 2024، أجبرت دولة فارس ومختلف امتداداتها، أن ترفع الصوت الى الدرجة الأعلى، وصلت في ختامها نحو التهديد بعمليات عسكرية متعددة المظاهر، شارك بها مرجعتيهم الدينية العليا خامنئي، كي يمنحها صفة "المصداقية"، وتزيد من حجم الاهتمام الدولي بها، أخذت تتلاحق بحملة "بلاغات تغريدية" تشويقية.
بعيدا عن "الضوضاء الإعلامية"، تدرك بلاد فارس جيدا أن من يريد حربا شاملة معها أو عليها، هو رئيس حكومة دولة الفاشية اليهودية باعتبارها طريقا واسعا لتحقيق جملة "أهداف سياسية – أمنية" في المنطقة، ينتظرها سنوات بعدما فرملها مسارها اتفاق إعلان المبادئ عام 1993 بين منظمة التحرير وحكومة رابين، الذي عطل إلى حين مسار المشروع التهويدي العام في أرض فلسطين، والصهيوني العام في المنطقة العربية، مدركا تمام الإدراك أن المعسكر الاستعماري الغربي، ورأسه الولايات المتحدة لن يقف "محايدا" فيها.
انطلاقا من تلك المعرفة الإدراكية ستكون حسابات بلاد الفرس منطلقة من تلك "الحقيقة المختبئة"، وستعمل كل ما يمكنها من أجل تجنب الحرب العسكرية الشاملة عبر استبدالها بحروب أخرى، قد تصل إلى مساومة تاريخية مع الولايات المتحدة في أكثر من منطقة بديلا لخطر التدمير الشامل لبلادها، تسويات تشمل الملف النووي بكامله، خاصة مع تعيين جواد ظريف مهندس التسوية مع الغرب، كما تمتد إلى لبنان، اليمن والعراق، وربما كامل ملف حماس العسكري، بصفتها البلد الوحيد صاحب قدرة الدفع به.
ولكن إلى حين ذلك، عليها الاستمرار بـ "نفخ سور الحرب الشاملة القادمة"، والتي قد لا تأتي أبدا، مع حسابات غاية في الدقة كي لا يخطف نتنياهو خطأ عسكري ما ليستبق تسويتها الكبرى مع أمريكا والغرب، وعندها لا خيار لها سوى المواجهة، والتي تعلم بأنها قد تكون خسارتها الاستراتيجية داخليا وخارجيا، وتعود لما كانت عليه قبل 1982، بداية التمدد خارج الحدود، وتلك ستكون مقدمة حصارها الكبير، إن لم يكن ذهاب النظام بكامله إلى خارج الزمن السياسي.
قادة بلاد فارس يدركون قبل غيرهم، أن المحيط العربي الرسمي من محيطه إلى خليجه، ومعهم الدولة التركية، التي تضررت مصالحها وطموحها خاصة في العراق جراء التقاسم المصالحي الأمريكي – الفارسي بعد احتلاله، وخسارتها الكبرى في سوريا، يريدون حربا عليهم من غيرهم، ما يدفعهم للتدقيق جدا في كل خطوة قادمة، حسابات لا ترتبط بـ "غريزة الثأر القبلي"، بل بما لهم وعليهم ولن تكون يوما ردا من أجل "غير فارسي"، وهي تتوافق تماما مع "فكر دولة الكيان" بأنها لن تخوض حربا من أجل "غير اليهود".
دولة فارس، ستخوض "حربا شاملة ناعمة" عبر قنوات متعددة، مع أمريكا ودول الغرب الاستعماري لتتجنب "الحرب الشاملة الخشنة"، وستجد لها مخرجا لوصفها بـ "النصر الكبير"، ما لم يستبقها "راس الأفعى المحلي" نتنياهو.
هل تتمكن دولة الفرس من منع الحرب الشاملة الساخنة قبل انطلاقها بتسويات تاريخية...تلك هي المعركة الأكبر التي تنتظرها.. ومعها ينتظر المنتظرون كل وفقا لهواه السياسي.
بالتأكيد، أهل قطاع غزة أولا وعموم فلسطين ثانيا، قد تكون "أمنيتهم السياسية الكبرى" تلك "الحرب الشاملة"، التي تدق طبولها في كل مكان سوى المكان الذي يجب أن تكون، علها تكون سببا لوقف حرب الموت والإبادة الجماعية المستمرة منذ 302 يوم تحت فرجة عالمية فريدة.. لكنها رغبة ستبقى تنتظر فرجا لكنه غير فارسي.