خطابات السيد نصر الله متتالية وتقريبا اسبوعيا، فيها تأكيدات على المؤكد من حيث مفهوم جبهة الإسناد ومن حيث تثبيت قواعد الإشتباك التي كانت سائدة قبل السابع من تشرين/اكتوبر وبما بعني ذلك من حتمية الرد على إغتيال القائد العسكري الكبير فؤاد شكر، رغم أن هناك محاولات اسرائيلية لتغير تلك القواعد واعتبار أن العودة للسادس من تشرين/أكتوبر غير واردة مطلقا كما قال رئيس هيئة الاركان الإسرائيلي "هيرتسي هاليفي"
إذا ما الجديد في خطاب السيد نصر الله؟..أعتقد ان ما يمكن قوله يتلخص في نقطتين:
أولا- توصيفه للصراع بإعتباره مصيري "هو في الحقيقة وجودي" بالنسبة للمنطقة وللقضية الفلسطينية، وهنا يؤكد على ان لا مكان لهزيمة المقاومة في غزة، واشير هنا إلى أن التوصيف الإسرائيلي كان منذ البداية أنها حرب وجودية وأسموها حرب"الإستقلال الثانية" وهذا التوصيف لا يشير إلى حماس والمقاومة في غزة فقط، وانما للمنطقة ككل، فتعريف الوجودي يعني سحق الآخر لعقود من الزمن, إن لم يكن إلى الابد كما في حالة الهنود الحمر في أمريكا، بالنسبة لغزة والمقاومة، ومنع أي تهديد من اي جبهة أخرى
ثانيا- حديثه ان المعركة الحالية ليست معركة إزالة إسرائيل، وأنها معركة لإفشال اي إنتصار لإسرائيل، بما يعني ذلك من قراءة موضوعية للواقع الإقليمي والدولي، خاصة أن ما حدث ويحدث في غزة منذ عشرة شهور من مذابح وابادة وتدمير ممنهج يجري امام العالم ككل دون اي تدخل لوقفه، اي ان لدى إسرائيل رخصة دولية بالرغم من كل الانتقادات والمحاكم والتي سيكون لها أثر على المستوى الإستراتيجي وليس على المدى المنظور، وهنا متطلبات منع إسرائيل من الإنتصار تعني ان المحور قد يضطر لخوض حرب كبرى لأجل ذلك.
إشارة أخرى في الخطاب وهي إعفاء "إيران وسوريا" من الدخول في اي حرب باعتبارهم دول دعم مادي وعسكري ولوجستي..الخ، وحدد بوضوح من سيكون جزءا من اي حرب من ساحات المقاومة بحيث تشمل "ساحة لبنان والعراق واليمن وفلسطين"، وهذا يشير لمحاولة منع الحرب الإقليمية التي تشمل المنطقة ككل
أما بما يتعلق بالرد على ما قام فيه الإسرائيلي فالخطاب اكد على الرد الإيراني والرد من حزب الله، لكن هذا الرد سيكون محكم ومؤثر ورادع ولا يؤدي لحرب إقليمية شاملة، وهذا يستدعي بعضا من الوقت، لأن الرد المطلوب هو رد ردعي وليس رد لإستدعاء الحرب
إن هنا الخلاصة لا تكمن في ما قاله السيد في خطابه، وإنما في ما سيكون عليه الميدان وبالذات ردة الفعل الإسرائيلية إن كانت من حيث فكرة الضربة الإستباقية المطروحة على طاولة نتنياهو بقوة، او من حيث الرد على الرد والذي قد يكون هو الذي يعكس مفهوم وطبيعة الصراع الذي وصفه السيد نصر الله، فإسرائيل لا تبحث عن ردع إستراتيجي فحسب وانما عن حسم للصراع ليس بما يتعلق بالقضية الفلسطينية فحسب، وإنما مع كل محور المقاومة وبإستغلال الوجود الأمريكي المنخرط في الدفاع والذي سيكون له أيضا شأن في الهجوم وبما يضمن نصر نتنياهو المطلق، النصر في ضمان الأمن والإستقرار لدولة إسرائيل لعقود وبما يجعلها سيدة هذه المنطقة، عليه، فالمعركة القادمة التي يعتقد البعض ان إسرائيل تحسب لها الف حساب كغيرها في المنطقة، هو مخطيء كما اخطأ سابقا حين لم ينظر منذ البداية لما رفعته إسرائيل من شعار "الحرب الوجودية" رغم أن الكثير منا قال ذلك وشرح مفهوم التحديث الامني الإسرائيلي لما بعد السابع من تشرين/اكتوبر، تحديث يتحدث عن صفر تهديدات في الجبهات الداخلية "الضفة وغزة" وبما يؤسس لسيطرة أمنية مباشرة او غير مباشرة، وفي الجبهات اللصيقة "لبنان وسوريا" ترتيبات أمنية وفق الرؤيا الإسرائيلية
ختاما، كل ما يحدث على الأرض وفي الميدان ناتج عن أزمات تشمل الجميع، فإسرائيل لديها أزمة إنهاء الحرب، وازمة عدم القدرة على إخضاع حماس بما يؤسس لما بعد الحرب، والمحور لديه ازمة الخوف من حرب إقليمية شاملة تدخل فيها أمريكا والناتو وفي نفس الوقت منع إسرائيل من الإنتصار، اما نتنياهو فأزمته هو كيف يجر أمريكا لضرب طهران وتوسيع المعركة لأنه يراها طريقه للنصر المحقق