- صفارات الإنذار تدوي في عكا وحيفا وبمستوطنات بالضفة
منذ طفولته السياسية، وخلال عمله في بعثة دولة الكيان بالأمم المتحدة، أعلن بنيامين نتنياهو بأنه لا وجود لشعب فلسطيني ولا مكان لأرض فلسطينية، وما لهم يوجد في الأردن شرق النهر.
ربما يتناسى البعض، جوهر تلك الفكرة المشتقة من "الغابوتنسكية"، رغم أنه كررها مرارا ولكن بطرق أخرى، منذ توقيع اتفاق إعلان المبادئ (أوسلو) عام 1993، عندما اعتبره الخطر الأكبر على دولة إسرائيل، وتنازل تاريخي عن قلبها التوراتي (الضفة والقدس)، فقاد بالشراكة مع العصابات الفاشية الصغيرة، المظاهرات الأوسع ضد رئيس الحكومة في حينه اسحق رابين إلى أن تمكنوا من اغتياله تحت سمع الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، المتهمة بأنها فتحت الطريق لمنفذ عملية اغتيال موقع الاتفاق الأخطر على مشروعهم التوراتي.
بعد فوز نتنياهو بانتخابات 1996، كان هدفه المركزي كيفية الخلاص من الاتفاق الانتقالي، ومنع تنفيذ أي من عناصره التي تفرض انسحابات متتالية من الضفة وضواحي القدس، ولذا رفض رفضا كاملا الالتزام بتفاهم "واي ريفر" 1998 برعاية الرئيس الأمريكي كلينتون، فقررت واشنطن اسقاطه فورا بعدما استخف بها وبرئيسها، وكان لها، وتلك مسألة لا يجب ان تختفي من التفكير، عندما تقرر أمريكا فهي تفعل.
وكي لا يعتقد البعض، ان تلك مواقف قديمة تنطلق من حسابات أخرى، سنقف أمام أحدث مقابلاته باللغة الإنجليزية، التي يعشق الحديث بها عن العبرية، مع مجلة تايم في أغسطس 2024، وبعد خطابه في الكونغرس الأمريكي يوليو 2024، قدم رؤيته والتي تقوم على عناصر مركزية منها:
رفض وجود دولة فلسطينية بالمطلق.
إقامة جيوب محدودة من الحكم الذاتي في مناطق بالضفة الغربية:
- يحق لسكان الجيوب التصويت لصالح مؤسسات الحكم المحدود.
- لا صلاحيات سيادية.
اعتبار القدس بشقيها عاصمة دولة اليهود، تكريسا لمبدأ ضم الشرقية منها.
السيادة الأمنية الشاملة في يد إسرائيل.
في قطاع غزة: تقوم إدارة مدنية بدعم من الشركاء الإقليميين، منزوعة السلاح.
جوهر مشروع نتنياهو، رفض مطلق لوجود دولة فلسطينية في الأرض المحتلة عام 1967، باعتبارها تشكل "تهديد وجودي" لدولة إسرائيل، كما جاء في قرار الكنيست 18 يوليو 2024، ولكنه يفتح الباب أمام معادلة تسوية جديدة، تكسر قرارات الأمم المتحدة حول دولة فلسطين، قرار 19/ 67 عام 2012، وقرارها التعزيزي مايو 2024، إلى جانب إلغاء قرار "العدل الدولية" يوليو 2024، حول الهوية الفلسطينية للضفة والقدس وقطاع غزة ووحدتها الجغرافية، وقبلها قرار الولاية الفلسطينية عليها من قبل "الجنائية الدولية".
معادلة نتنياهو الجديدة، التكريس المطلق أن الضفة الغربية هي أرض يهودية يمكن قبول وجود مجموعات سكانية بلا حقوق قومية، تمارس بعض الصلاحيات التي تبقى تحت السيطرة المطلقة، ودون أن يتم دمجها لتكون ضمن "دولة إسرائيل"، مع إمكانية منح قطاع غزة لاحقا صلاحيات تختلف ببعدها القومي عن الضفة، لتكون أقرب إلى وجود "دولة خاصة".
رغم عدم وضوح مشروع نتنياهو بشكل كامل، لكنه موضوعيا يشتق عناصره من خطة شارون التي تقدم بها 1995 للرئيس محمود عباس، "استقلالية قطاع غزة" و"جيوب سكانية لحكم ذاتي" تحت السيطرة الإسرائيلية، مع فصل الوحدة الجغرافية بين "جيوب الحكم الذاتي" والدولة الممكنة.
قد يراه البعض مشروعا طوباويا مرتبط فقط بنتنياهو وتحالفه اليميني، وسينتهي بانتهاء الحكومة الراهنة، ولكن الحقيقة السياسية تقول خلافا لذلك، فقرار الكنيست كان بإجماع الكتل اليهودية دون أي استثناء، الذي اعتبر أن وجود دولة فلسطينية في الضفة والقدس تهديد وجودي، هو الوجه الآخر للضم والتهويد.
مشروع نتنياهو الخاص، والمشتق من الرؤية الغابوتنسكية، بإلغاء الهوية القومية الفلسطينية، شعبا وكيانا، لم تعد مشروعا خاصا أو "حلما"، بل تم تنفيذ جزء كبير منه في الضفة والقدس، وسيكمل عناصره مع ترتيبات اليوم التالي لحرب غزة، التي بدأت تتضح ملامحها من مشاريع دخلت "السوق السياسي".
مشروع نتنياهو العام، يفترض أن يدفع الرسمية الفلسطينية لمواجهته بكل السبل الممكنة، عبر رؤية شمولية:
البداية من الأمم المتحدة، تطالب بتعليق عضوية دولة الكيان، كون المشروع استخفاف كامل بكل قرارات الأمم المتحدة منذ قرار 181 وحتى قرار تعزيز دولة فلسطين.
اعتبار إسرائيل دولة خارج القانون الإنساني.
سحب الاعتراف بها رسميا واعتبار رسالة 1994 لاغية.
الطلب من السداسية العربية ورئاسة القمة العربية، صياغة رد مشترك يقوم على رؤية فلسطينية كاملة حول تعزيز دولة فلسطين فوق أرض فلسطين.
التفكير بتعليق العلاقات الديبلوماسية لبعض الدول العربية مع إسرائيل.
بالتوازي قيام الرسمية الفلسطينية بتطبيق قرارات المجلس المركزي كافة.
خطوات لها ان تشكل رافعة مواجهة لمشروع نتنياهو الغابوتنسكي ضد فلسطين الأرض والشعب والهوية.