- قوات الاحتلال تقتحم قرية تل غرب نابلس
في عام 1986، وخلال وجود القيادة الفلسطينية في تونس، وزع الرئيس الخالد ياسر عرفات صورة لبناء "الهيكل" فوق منطقة البراق في القدس، وتبدو الصورة وكأنه تم هدم المسجد الأقصى، أو تم عدم ظهوره، لتختفي الصورة التاريخية الرمزية للحرم القدسي.
وفي حينه، استغرب كثيرون تلك الصورة، بل وغمزوا من قناة مصداقيتها، أو أنها قابلة للتنفيذ، لما للمسجد القدسي من مكانة تاريخية دينية وسياسية، ليس بالنسبة للمسلمين وحدهم، كونه "أولى القبلتين وثالث الحرمين"، بل وأيضا لغير المسلمين، من سكان فلسطين وزائريها.
في عام 1996، وبعد قيام السلطة الوطنية الفلسطينية، الكيان الأول تاريخيا فوق أرض فلسطين بعد اتفاق "إعلان المبادئ 1993"، حاول رئيس حكومة دولة الكيان نتنياهو، المعادي للاتفاق والرفض له كليا، ومشارك في اغتيال رابين، أن يقوم بأول اختبار لموقف القيادة الفلسطينية ورئيسها، عندما حاول القيام بفتح نفق تحت المسجد الأقصى سبتمبر 1996، لتنطلق هبة شعبية واسعة، كانت درسا كفاحيا للفاشي الصغير نتنياهو، فتراجع عن فكرته التخريبية.
في مفاوضات كمب ديفيد (11- 25 يوليو 2000) بين وفد فلسطيني برئاسة الخالد ياسر عرفات ووفد من دولة الكيان قاده رئيس الوزراء المنتخب حديثا بدعم أمريكي صريح، يهودا باراك، ووفد أمريكي قاده الرئيس بيل كلينتون، تم الحديث عن عناصر الحل النهائي بعدما رفض باراك تنفيذ بقايا الاتفاق الانتقالي في الضفة والقدس، مفاوضات بحثت القضايا الخمس المؤجلة وفقا لإعلان المبادئ 1993، القدس، الحدود، المستوطنات، اللاجئين والعلاقات المستقبلية بين الطرفين.
احتلت القدس الموضوع الهام والحساس في المفاوضات، ووصلت إلى نقطة الانفجار، عندما تحدث الرئيس الأميركي عن ملامح رؤيته للحل الدائم، ومكانة القدس والسيادة عليها، وأشار إلى ان السيادة ستكون فلسطينية لما هو فوق الأرض في منطقة البراق، حيث المسجد الأقصى والساحة والجدار، فيما لا يكون ذلك ساريا على ما هو تحت الأرض، كان السؤال العرفاتي عن سبب ذلك، فجاء الرد بسبب وجود الهيكل.
وبلا تردد رفض الخالد المؤسس ياسر عرفات ذلك شارحا موقفه الكامل من تلك المقولة، وقدم خيارات أخرى، دون المساس بالسيادة الفلسطينية فوق وتحت البراق ساحة وجدارا، ولم يرفض مفهوم أن القدس مركز للديانات السماوية، لكنها تحت السيادة الفلسطينية الكاملة.
كان موقف الزعيم ياسر عرفات نقطة الانفجار التي بحث عنها يهودا باراك ليقود أوسع عملية تشويه سياسية لموقف أبو عمار بدعم من الولايات المتحدة، وبعض "أطراف فلسطينية وعربية"، بل أنهم حملوه مسؤولية فشل التوصل إلى صفقة تسوية شاملة، ولتبدا مؤامرة باراك الحقيقية تنكشف عندما اتفق مع الإرهابي شارون الليكودي، وهو ليس جزءا من الحكومة" على اقتحام الحرم القدسي يوم 28 سبتمبر 2000، فتصدى له أهل القدس وكل من كان بالمسجد، لتنطلق شرارة المواجهة الأوسع والأطول مع دولة العدو، فيما يسمونها إعلاميا بـ "انتفاضة الأقصى" بين 2000-2004.
مواجهة عسكرية ألحقت بدولة الكيان خسائر غير مسبوقة، مواجهة ومقاومة دون "استعراض"، شملت كل أرجاء فلسطين قادها ياسر عرفات من مقره في رام الله تحت الشعار الذي سيبقى الأهم تاريخيا، "عالقدس رايحين..شهداء بالملايين"..شعار أطلقه تحديا لكل ما كان حصارا عربيا وأعجميا بتحالف أمريكي غربي غير مسبوق، إلى أن تم اغتياله يوم 11 نوفمبر 2004، ليضعوا نهاية لمرحلة تاريخية من مسار الثورة وتبدأ مرحلة ردة سياسية جديدة، منذ عام 2006، فتحت باب التهويد.
التذكير بتلك الأحداث، وخاصة الموقف من القدس والبراق وإصرار الخالد ياسر عرفات على السيادة المطلقة عليها، جاء بعدما أقدمت حكومة دولة الفاشية اليهودية السماح لمجموعات إرهابية باقتحام منطقة المسجد الأقصى والبراق، لم تكتف بـ"الزيارة" وفقا لاتفاق كيري مع الأردن والرئيس عباس أكتوبر 2015، حيث سمح لغير المسلمين بالزيارة دون أداة صلوات، وكان مع نتنياهو أيضا.
ما حدث يوم 13 أغسطس 2024، من قبل الفرق الإرهابية اليهودية بقيادة الوزير المستوطن بن غفير وزير ثاني بـ "أداة صلوات تلمودية وممارسة طقوس يهودية" فوق ساحة البراق قرب الجدار، رسالة واضحة تماما، بأن تهويد المكان هو الهدف القادم بسرعة، وأن مكانة المسجد الأقصى وساحة البراق في خطر حقيقي، وما حذر منه الخالد ياسر عرفات لم يكن "خياليا سينمائيا" كما حاولت بعض"أطراف فلسطينية" أن تشيع في حينه بتواطئ مع بعض العرب والعجم، وكانت شريكا عمليا في محاصرته.
ما حدث يوم 13 أغسطس 2024، من صلوات تلمودية في ساحة البراق، بقدر ما تشكل إنصافا تاريخيا لرؤية الخالد المؤسس ياسر عرفات وخياره بالتحدي الكبير، فهي كاشفة للخطر القادم على هوية فلسطين، وخاصة أنها مرت تحت وابل من "القصف الكلامي" دون أن تترك "خدشا سياسيا واحدا".
ما حدث يوم 13 أغسطس 2024 من قبل الفاشيين اليهود من صلوات تلمودية لتهويد المكان المقدس وطنيا ودينا لفلسطين، يكشف أن ما حدث يوم 7 أكتوبر 2023 مؤامرة هدفها الحقيقي ليس قطاع غزة بل قلب دولة فلسطين ورمزها الوطني – الديني.
رسالة الإنذار التي أطلقها الخالد المؤسس ياسر عرفات سبتمبر 2000 لإنقاذ القدس من التهويد وإزاحة المسجد الأقصى لا تزال تدوي فوق أرض فلسطين...ويبدو أن قادتها ومن حولها غارقون في مهام عدة غير إنقاذها.