- صافرات إنذار تدوي في هرتسيليا ومحيطها شمال تل أبيب
- قوات الاحتلال معززة بجرافة عسكرية تقتحم بلدة طمون جنوب طوباس
رغم تحذيرات قديمة/ جديدة، فلسطينية وعربية ودولية، من الوصول إلى حافة "الحرب الدينية"، تأكد للمراقبين أن اتباع "الفكر التلمودي المحَّرَف والمنحرِف" الذين يسيطرون على الحكومة الإسرائيلية الحالية كفيلون بالمضي قُدماً في اتجاه مثل تلك الحرب. بل إن سياسات بنيامين نتنياهو الذي رئس على مدى سنوات طويلة حكومات هيمنت على الحياة الإسرائيلية وبالذات الحكومة الراهنة، إنما كانت – عملياً وجوهرياً – تصب الحبوب باستمرار في طاحونة الحرب الدينية. واليوم، ها هم دعاتها من الإسرائيليين يتذوقون بعض مرارة هذه الحرب التي سعوا إليها بوعي ديني مزيّف، أو نابعة من مضمون صهيونيتهم الاستعمارية/ العنصرية/ الاحلالية القائمة على التهجير والتطهير العرقي حتى لو أدى ذلك إلى إبادة جماعية أمام أسماع وأنظار العالم!! هذا العالم الذي، بدأوا بتنفيره منهم واستجلاب عدائه لهم لأول مرة في تاريخهم المعاصر، والحبل على الجرار.
وعلى صعيد جماهير العالمين العربي والإسلامي، نلحظ أن علائم وتباشير الوعي الجذري بطبيعة الحركة الصهيونية قد بدأ يتبلور في (1) "ضوء" (اقرأ: ظلام) المقارفات الاستعمارية الإسرائيلية المستندة إلى التطهير العرقي والإبادة الجماعية على امتداد الأرض الفلسطينية، وبالذات في قطاع غزة والضفة الغربية وخاصة في شمالها والقدس، وأيضاً (2) في ضوء المقاومة الفلسطينية ذات الثقل الجهادي الاسلامي الراهن. وإذا كانت حركتا حماس والجهاد الإسلامي تمثلان رأس الحربة البارز في الجهاد السني المتناغم، بل المندغم، مع الجهاد الشيعي، فإن القادم أعظم مع تحولات الصراع مع الصهيونية التلمودية (المحرفة والمنحرفة) إلى صراع ديني.
ذلك، أن مخزون الاستشهاد، سواء في الدين الإسلامي أو في الدين المسيحي العربي، إنما هو مخزون هائل سرعان ما يتفعل مع اتضاح مساعي الصهيونية التلمودية لتهويد أرض فلسطين (وغيرها لاحقاً)، بحيث تشتمل عملية التهويد على التطهير العرقي (بشتى الأساليب العنيفة و"الناعمة")، مستهدفاً معه الوجودين العربي المسلم/ والعربي المسيحي، بما في ذلك مساجد المسلمين وكنائس المسيحيين، الأمر الذي سيستنهض همم الكفاح والنضال والجهاد والاستشهاد لدى المسلمين وعموم العرب لسنين طويلة قادمة.
ولأسباب ثقافية بنيوية، فإن يهود الكيان الصهيوني قد اختاروا الحياة وبالذات بعد "انتصارهم" في "حرب الأيام الستة" (اقرأ: الساعات الستة!!!) ، تلك الحرب التي اسميناها "نكسة"، وهي هزيمة فادحة فاضحة! عندئذٍ تحولت إسرائيل من "إسبارطة" الى "أثينا". وفي المقابل، ولأسباب ثقافية بنيوية أيضاً (قوامها موروث ديني عميق) نجد لدى المسلمين وأشقائهم المسيحيين العرب حالة مترسخة من إعلاء قيمة الاستشهاد سواء في سبيل الله والدين والوطن موجودة في القرآن والسنة، وفي الإنجيل. وطبعاً، تزداد قوة هذه "الثقافة الاستشهادية" على وجه الخصوص لدى المنتظمين في أحزاب وحركات (إسلامية، أو قومية عربية أو "سورية"، أو وطنية مثل الفصائل الفلسطينية… إلخ). بل إن المنتمين إلى أي من هذه الحركات /الأحزاب/ الفصائل (وبالخصوص في مواجهة القوى الاستعمارية وفي المقدمة منها الحركة الصهيونية) يعتبرون أنفسهم "مشاريع شهداء" هم في أوج حيواتهم، مثلما أن دينهم وعوائلهم/ قبائلهم/ عشائرهم/ شعوبهم ينظرون إليهم (حين يرتقون بالاستشهاد) باعتبارهم قد حصلوا على أعلى مراتب الشرف؛ فيستقبلون بالتكريم الديني والمجتمعي الخاص، وبزغاريد الأمهات والشقيقات وعموم النساء. وفي هذا السياق، فقط تذكروا شعار الوداع الحاشد غير المسبوق للشهيد القائد إسماعيل هنية في طهران: (هنيئاً لك يا هنية). والحال كذلك، وبفضل قوة الأنموذج الذي يرسّخه هؤلاء الشهداء يصبحون في مماتهم (بمعنى محدد) "أحياء" كونهم يستولدون "مشاريع شهداء" جدداً على أتم الجاهزية للاستشهاد وبالتالي لاستيلاد غيرهم من "مشاريع الشهداء"… وهكذا دواليك.
وعن الانتقال – فلسطينيا- من ضفة نهر "جيل الاستشهاد" إلى ضفة "الجيل الشاهد" نلحظ أن هذا الجيل هو حقاً "الشاهد" (1) على عطاء الشهداء الذين ارتقوا، مثلما هو شاهد أيضاً (2) على حرب إبادة أصابت كافة مقومات الأهل (البشر، والشجر، والحجر). ولعل من أجمل ما قيل في العقل الجماعي للمسلمين وللمسيحيين العرب عن كواكب هؤلاء الشهداء:
"أيها الشباب إن عيون الشهداء تحدّق بكم. إذا ضللتم الطريق فاتبعوا الشهداء، وسلام لشهداء أخذهم الموت ليعلم الأحياء معنى الكرامة". ويكفي الشهيد – في العقل الجماعي ذاته- أنه"حي يرزق عند الله، ويكفيه أيضاً أنه يدخل الجنة بدون حساب". وكذلك قولهم: "أشرف الموت موت الشهداء، ولا نبكيهم لأنهم باستشهادهم قد بدأوا للتو حيواتهم، وأنهم حين يرون من فضل الشهادة فإنهم يحبون الرجوع إلى الدنيا ليستشهدوا من جديد".
والحال كذلك، أو ليس من الصحيح الافتراض أن سياسة نتنياهو (وصحبه من أتباع الفكر التلمودي المحّرف والمنحرف) الذين يدفعون الأمور باتجاه الحرب الدينية، إنما ينتهجون سياسة عبثية مجنونة تقودهم إلى مصير مظلم، طال الزمان أم قصر..
إذا كانت حركتا حماس والجهاد الإسلامي تمثلان رأس الحربة البارز في الجهاد السني المتناغم، بل المندغم، مع الجهاد الشيعي، فإن القادم أعظم مع تحولات الصراع مع الصهيونية التلمودية (المحرفة والمنحرفة) إلى صراع ديني.