- طائرات الاحتلال تجدد غاراتها على شمال مخيم النصيرات وسط قطاع غزة
- إطلاق نار من طائرات الاحتلال المسيرة والزوارق الحربية صوب خيام النازحين بمواصي مدينة رفح
هي المفاوضات ذاتها التي يخوضها الإسرائيلي بالعربدة ذاتها مع المسدس ذاته على طرف الطاولة، لأن ميزان القوة سمح له أن يتحدث بلغة الأقوياء، ولأنه يتكئ على القوة الكاسحة في العالم التي تقدم نفسها كوسيط ولكنها شريك وحاضن وراعٍ لإسرائيل بما يملك من عتاد ونفوذ دولي، وإلا فلماذا فشل حل قضية أخلاقية شديدة الوضوح كالقضية الفلسطينية ؟
هي المفاوضات ذاتها التي كانت تخوضها حركة فتح وسط مطالبات الفصائل لها بالانسحاب، دون أن تدرك هذه الفصائل، التي وجدت نفسها مكان شقيقتها تخوض نفس المفاوضات، أن تلك وسيلة الضعفاء الذين لا يملكون خيارات القوة.
تلك تجربة التاريخ والانسحاب أكثر فداحة من الاستمرار، لكن هذا قدر الفلسطينيين جميعاً مع خصم وراعٍ مدججين بالقوة.
من يظن أن هزيمة حركة حماس ليست هزيمة فلسطينية فهو مخطئ؟، فصراع الإرادة الطويل على هذه الأرض يتخذ فصائل ومسميات عديدة لكنه يجسد الصراع بين محتل وشعب تحت الاحتلال.
قد تكون حركة حماس ذهبت في المغامرة بعيداً بلا حسابات هذه المرة، لكن ذلك لا يعني القبول بهزيمتها لأن انتصار إسرائيل هو انتصار على الإرادة الفلسطينية وليس لدى الفلسطيني متسع للهزائم.
كان هناك من يظن أن زملاءه السابقين في الحركة الوطنية يخوضون مفاوضات حباً بالإسرائيلي، وجاء الوقت أيضاً ليصحح الأمر، وقد وصل التسطيح إلى الحد الذي كان البعض يعتقد أن المفاوضين الفلسطينيين كانوا كرماء مع إسرائيل وأسخياء في تقديم التنازلات، دون الإدراك أن أبجديات السياسة تقول إن المفاوضات هي تعبير دقيق عن موازين القوى على الأرض والتي لم تكن لصالح الفلسطيني، ولعل هذه تجربة حماس مع الخداع الإسرائيلي المتجدد تصنع فهماً مشتركاً بين الفلسطينيين.
في المفاوضات الدائرة حالياً مع الحركة الإسلامية يمارس الإسرائيلي بلطجته على طاولتها مدعوماً بالولايات المتحدة التي لم تمتلك الجرأة يوماً للإشارة للمعطل الحقيقي لصفقة طرحت أكثر من مرة ووافقت عليها حركة حماس أكثر من مرة، ولكن الإسرائيلي الذي لا يشبع من التنازلات معربداً بدباباته على الأرض وطائراته القاتلة في السماء وقدرتها على قتل الفلسطينيين المدنيين بالجملة وفي كل جولة يقول: «هل من مزيد» ؟.
ويقف الفلسطيني وحيداً بعد كل النهايات المتكررة لا يجد من ينتصر لموقفه عندما يقول «نعم» ممهورة بالدم وممزوجة بالقهر.
مجريات مفاوضات الصفقة والغطرسة الإسرائيلية باتت تشي بأن إسرائيل تطلب استسلاماً من حركة حماس، وهو خيار استدعته الحركة للفلسطينيين بلا داعٍ أو لجهل بحسابات السياسة والسلاح.
فلم يكن أي فلسطيني يتمنى أو يتوقع أن تجد الإرادة الفلسطينية نفسها قد انحشرت في خياراتها بهذا الشكل إما استمرار الإبادة وإما الاستسلام، وإذا كانت إسرائيل تستدرج الأمور نحو حشر الفلسطينيين، حينها يجب أن يفكر الفلسطينيون بخيارهم الثالث فالشعب تحت الاحتلال عادة ما يعوض فائق القوة بفائق الذكاء.
وقعت الواقعة ولا يفيد الكلام الكثير على نمط «لو»، أو «كان يجب»، و»ينبغي»، نحن في وسط معركة هي واحدة من المعارك التي تصر فيها إسرائيل كما يقول رئيس وزرائها على النصر مستخدمة كل ما تملك من القوة الأميركية الكاسحة، فقد اتضحت محدودية القوة الإسرائيلية مرتين، الأولى في السابع من أكتوبر والثانية في الرابع عشر من نيسان حين احتاجت تحالفاً دولياً وإقليمياً لاعتراض ضربة إيرانية معلنة، وبتلك القوة الأميركية تعمل إسرائيل على سحق وإبادة غزة وقد فعلت بهدف تركيعها ثم للانتقال بهذا الانتصار نحو استكمال إنهاء الملف الفلسطيني في الضفة الغربية والقدس وتلك فرصة توفرت مناخاتها.
وأمام هذا الواقع في ظل الحياد الدولي والعربي ما العمل ؟ سؤال بات يتكرر في كثير من الكتابات، لقد نبعت أزمة الفلسطينيين من هرمهم الإداري المقلوب حيث الطبيعي أن السلاح في أسفل الهرم وتحت قيادة السياسي هذا الأخير عندما يصطدم يعود للفكر والمفكرين، لكن الهرم الفلسطيني الذي أراد للفكر والمفكر أن يعمل لدى السياسي وهؤلاء شغيلة لدى السلاح وحامليه وأمام هذا الانقلاب كان لا بد أن يجني الفلسطيني هذه النتائج الكارثية.
وأمام الراهن ومناخاته التي تخطط وتدفع إسرائيل باتجاهها بات منع هزيمة حماس مسؤولية وطنية، فالوقت لم يعد يتسع لترف صغائر الأشياء، وإذا كان استسلام حماس مدخلاً للانقضاض على المشروع الوطني ينبغي البحث عن خيارات تمنع هذا التدهور المخطط له وتقطع الطريق. فليس من المنطقي وطنياً انتظار سقوط أحد أحجار الدومينو، صحيح أن خيارات الفلسطينيين بفعل ما حدث تنحسر وتصبح أكثر محدودية لكن لا يمكن التسليم بواقع يجرهم جميعاً نحو تبديد كل أصولهم الوطنية التي راكموها منذ انطلاق ثورتهم الحديثة في ستينيات القرن الماضي.
لا يمكن لحماس الاستسلام لأكثر من سبب، سواء لجهة أنها تنظيم عقائدي أو يعتقد أن خياراً كهذا سيمس بالفكرة حد العقيدة التي يموت البشر من أجل الدفاع عنها، أو لجهة عدم توفر فرصة النزول الوطني الهادئ عن شجرة اللحظة دون انكسار، وهذه مسؤولية الحالة الوطنية برمتها باحتضان حماس ومنع كسرها كمقدمة لكسر المشروع برمته ... حصل ما حصل ولكن كيف يمكن تدارك اللحظة ومنع الانزلاق ؟
هناك خيارات إذا ما فكرنا بعمق بعيداً وبعقل بارد بعيداً عن انفعال السلاح ونزواته ...!