- طائرات الاحتلال تجدد غاراتها على شمال مخيم النصيرات وسط قطاع غزة
- إطلاق نار من طائرات الاحتلال المسيرة والزوارق الحربية صوب خيام النازحين بمواصي مدينة رفح
لا يزال بنيامين نتنياهو يتعمّد الغموض بشأن "اليوم التالي" للحرب، التي لا يعرف أحد مداها رغم مرور أكثر من عشرة أشهر على اندلاعها.
المفاوضات الجارية منذ أشهر طويلة، ويتحدّث الوسطاء على أنّ الفصل الجاري منها هو الفرصة الأخيرة، لا تجيب عن سؤال "اليوم التالي"، وكل ما يجري تداوله، هو الوصول إلى مرحلتها الأولى وعنوانها تبادل أسرى، والسماح بتدفّق المواد الإغاثية للقطاع.
منذ بداية التفاوض، لم يتراجع نتنياهو عن هدف تحقيق "الانتصار الكامل" ومواصلة الحرب العدوانية، حتى القضاء على كلّ تهديد من الجنوب أو من الشمال. غير أنّه ثمة ما يضمره نتنياهو، وهو أنّه يجد الفرصة المناسبة للقضاء على البرنامج النووي الإيراني، وكسر اليد التي تقدّم الدعم والإسناد لفصائل المقاومة، وأطراف "محورها".
يتظاهر نتنياهو بأنّه لا يرغب في توسيع دائرة الحرب إلى إقليمية وذلك لمجاراة الإدارة الأميركية، والمجتمع الدولي الذي لا يجد في توسّع الحرب إلى إقليمية خدمة لمصالحه.
كانت الخطوة الأولى في سياسة نتنياهو للقضاء على البرنامج النووي الإيراني، حين نجح في إقناع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بالانسحاب من اتفاق (5+1)، لتأمين عزلة إيران دولياً، تمهيداً لعمل عسكري توفّرت له الفرصة الآن.
والآن، يستطيع نتنياهو أن يورّط الولايات المتحدة وحلفاءه "الغربيين"، في الدفاع عن الدولة العبرية، وتأمين مستلزمات حمايتها، وتعزيز قدرتها على تحقيق ما يريد.. فلقد اختبر هؤلاء جميعاً.
وكذلك نجح في اختبار حلفائه، الذين احتشدوا عسكرياً وأمنياً وسياسياً، خلف دولة الاحتلال، وللدفاع عنها، وتأمين قدرتها على الهجوم في مرتين: الأولى، في شهر أيار والثانية إثر التهديدات الإيرانية بالردّ على اغتيال إسماعيل هنيّة رئيس المكتب السياسي لـ"حماس".
في الواقع فإنّ الاختبارات التي أجراها نتنياهو لحلفائه وعلى رأسهم الولايات المتحدة، جاءت النتيجة لتشير وتؤكد على أنّ الإدارة الأميركية لا تملك قراراً مستقلاً، وأنّ قدرة اللوبي اليهودي على التأثير في سياسات الإدارة تجاه الشرق الأوسط غير محدودة.
ومثلما نجح، أيضاً، في ضبط وتجيير السلوك الأميركي لصالحه، فقد فشلت كلّ الاختبارات الفلسطينية والعربية في امتحان مصداقية الولايات المتحدة، التي قدمت الكثير من الوعود، ولم تنفّذ أياً منها، ولا هي بصدد تنفيذ أي من تلك الوعود.
تحاول كامالا هاريس أن تتلاعب باللغة، في محاولة لإظهار قدر من التوازن، يجعلها تكسب أصوات، الداعمين لغزة من الحزب الديمقراطي ومن خارجه، دون أن تخسر اللوبي اليهودي.
تفتتح خطابها السياسي بشأن الشرق الأوسط بالتأكيد على التزامها بدعم دولة الاحتلال، وحمايتها، ومواصلة تأمين تدفّق الأسلحة والذخائر لها، ثم تتحدث بلغة مبطّنة عن تأثّرها بالأوضاع الإنسانية في القطاع، وحق تقرير المصير للفلسطينيين، فلا يكون خطابها مقبولاً من الجاليات العربية والإسلامية، والمعترضين على سياسة الإدارة الأميركية.
الفرق واضح، بين الدعم والتأثير الكبير الذي يملكه ويمارسه اللوبي اليهودي على الانتخابات، وعلى صناعة السياسة الأميركية، وبين الكتلة الإسلامية والعربية، التي تفتقر إلى التنظيم، ويتّسم نشاطها بالموسمية، وربما يميل بعض رموزها الفاعلة إلى مواقف الأنظمة العربية الرسمية التي تتسم بالتخاذل، وبعضها بالتعاون مع الاحتلال وحلفائه.
إذا عدنا إلى السؤال الأساسي، الذي يتعلق بغموض موقف نتنياهو من "اليوم التالي" للحرب، فإنّ الجواب قد يكون غامضاً، لبعض العرب، أو بعض السذّج، الذين لا يقرؤون المشهد العام للصراع على حقيقته وبكلّ أبعاده.
قبل 7 تشرين الأوّل/ أكتوبر الماضي، كانت الضفة الغربية والقدس عنوان الصراع، وميدان الحرب، التي أعلنها، وشنّها "الائتلاف الفاشي الحكومي" برئاسة نتنياهو، تحت عنوان "حسم الصراع".
كانت القدس والمسجد الأقصى، عنواناً يومياً، للاقتحامات التي يقوم بها المستوطنون، ونوّاب الكنيست والوزراء، ولم يقتصر الأمر على المتطرّفين منهم، وكان كلّ ذلك يتمّ بمشاركة وحماية ورعاية من الجيش والشرطة الإسرائيلية.
وقبل "طوفان الأقصى"، ارتفعت نسب الاعتقالات، وهدم البيوت ومصادرة الأراضي، وتسمين وتوسيع المستوطنات، وارتفعت نسبة الإعدامات الميدانية، والاغتيالات، واقتحامات المدن والقرى والمخيّمات.
وقبل "طوفان الأقصى"، أيضاً، خضعت السلطة الوطنية الفلسطينية إلى حملة لا تتوقّف لإضعافها وسرقة أموال المقاصة، وتبهيت صورتها لدى الجماهير الفلسطينية، ولتعميق حالة الانقسام الفلسطيني وتسعير التناقضات بين السلطة و"المعارضة"، وإفشال كلّ محاولات الوساطة من أجل تحقيق المصالحة، وإصلاح النظام السياسي.
كان الهدف منذ اندلاع الحرب العدوانية واضحاً، ويعكس عزم نتنياهو على إحداث انعطافة إستراتيجية في الصراع، نحو تحقيق الحسم الذي أراده، تبدأ الانعطافة بدفع سكان القطاع نحو الهجرة إلى سيناء المصرية، تحت ضغط قصف تدميري إسرائيلي غير مسبوق، وكان نجاحه في تحقيق ذلك سيؤدّي إلى الانتقال نحو الضفة لتهجير سكانها إلى الأردن، لم تكن هذه الأهداف من بنات أفكارنا، أو أنها تندرج تحت سقف التوقّعات، والتحليلات، فلقد صدرت تصريحات علنية بذلك من قبله، وعدد من وزرائه.
فشل المرحلة الأولى من المخطّط التهجيري لسكان القطاع، لا يعني أنّ المخطّط في الضفة قد انتهى إلى الفشل، فها هي دولة الاحتلال والإجرام تشنّ حرباً مركّزة على الضفة والقدس، بالأدوات الموجودة التي يتقدمها المستوطنون يرافقهم الجيش والشرطة وأجهزة المخابرات.
جيش الاحتلال أخذ يستخدم في الضفة ذات الأسلوب الذي استخدمه وما زال يستخدمه في قطاع غزة، حيث بالإضافة إلى المدرّعات، والأسلحة الرشّاشة، بات يستخدم المُسيّرات، والطيران الحربي والمروحي، وتدمير البنى التحتيّة.
في ضوء ذلك ثمة خشية من أنّ ذهاب الرئيس محمود عباس "أبو مازن" والقيادة إلى غزة، بصرف النظر عن النوايا، ينطوي على مغامرة، قد يسمح نتنياهو للرئيس الذهاب، ثم يحاصره هناك كما فعل مع الزعيم الخالد ياسر عرفات، قبل اغتياله، حين تمّ اغتياله كان هناك مجلس تشريعي، وتم انتقال السلطة إلى الرئيس أبو مازن عَبر الانتخابات.
فماذا لو أنّ دولة الاحتلال حشرت الرئيس أبو مازن في غزّة، وبدأت تقوّض السلطة في الضفة؟
إنّ إسرائيل التي قاومت ضغوطاً هائلة، وتجاوزت كلّ القوانين والأعراف والقيم الإنسانية، لم تعد تخشى عقاباً، لو أنّها كرّرت الفعل ذاته مع الرئيس أبو مازن.