ليس موضوعياً ولا منطقياً تصنيف الحملة العسكرية الواسعة التي يشنها الإسرائيليون جيشاً ومستوطنين بكل ما لديهم من إمكانات برية وبحرية وجوية، على أنها الأكبر والأشرس، فإسرائيل لمن لديه ذاكرة نشطة قامت منذ احتلال الخامس من حزيران 67 بحملات أوسع بكثير مما تقوم به الآن، كانت تحاصر وتغلق مناطق بأسرها لعدة أشهر، واعدة جمهورها باستئصال المقاومة، وما أن تغادر بفعل الإرهاق حتى تُفاجئ بأن المقاومة عادت وغالباً بكثافة وفاعلية أكبر مما كانت.
الجديد فيما يجري الآن، هو تزامن جبهتي الضفة وغزة في توقيت واحد، واستخدام أنواعٍ من الأسلحة تبدو متطورة عن الاستخدامات القديمة، وذلك استناداً إلى توازن قوىً عسكرية وتسليحية بنسبة واحد إلى مائة.. أمّا الذي تطور على الجانب الفلسطيني في الحرب الراهنة، فهو القدرات الشعبية المتزايدة في الصمود والمحمية بإرادة لا تلين في منع الهجرة من الوطن وفق إدراك شعبي واسع ومتنام للهدف الأساسي الذي يسعى إليه الاحتلال، وهو رؤية فلسطين خاليةً من أهلها ومكتظة بالمستوطنين والمستوطنات، ومن يبقى من الفلسطينيين في بلده، فهو مجرد ساكن أمر واقع ينتظر القتل أو التهجير خارج الوطن أو في مناطق يختارها الاحتلال داخله.
لا نقول أن الفلسطيني لا يعاني، ولا نقول أنه لا يهتم باستشهاد الأبناء واعتقالهم بالآلاف، والتنكيد على المواطن إذا ما انتقل من حي إلى آخر أو من قرية إلى أخرى أو من مدينة إلى مدينة. إلا أن الذي يعاني ليس الفلسطيني وحده، الجيش الذي لا يقهر بدأ يتذمر ويتمرد على حرب لا يرى نهاية لها، والمدارس تشهد تشويشاً مربكاً لا يحل بتفاهم بين وزارتين أو نقابة معلمين، فماذا يفعلون بآلاف المهجرين الذين يعيشون في الفنادق ومراكز الإيواء، وكلفة هذه الحالة مليارات الشواقل، غير الاغتراب عن الأماكن التي ألفوا العيش فيها.
إننا ننصح الذين يحللون ما يجري أن لا ينظروا فقط إلى الضرر اللاحق بنا، بل أن ينظروا إلى ما يلحق بإسرائيل وفق مقياس مفاده... يقولون كل شيء ولكنهم لا يستطيعون فعل ما يقولونه، لأنهم أمام ملايين الفلسطينيين الذين يرفضون احتلالهم ولا يساعدونهم في تفريغ بلادهم.
إن لما يجري حلاً واحداً وهو أن تسلم إسرائيل بحتمية انهاء احتلالها والتوقف عن محاربة ولادة دولة فلسطينية على أرض الوطن.