جبهة الضفة الفلسطينية وفي القلب منها القدس العاصمة الفلسطينية لم تتوقف يوما منذ تمت السيطرة الاستعمارية الإسرائيلية بعد هزيمة حزيران / يونيو 1967، حيث تتواصل عمليات التهويد والمصادرة للأراضي الفلسطينية وإعلان العطاءات المتواترة لإعلان بناء الوحدات الاستعمارية بالمئات والآلاف في المستعمرات المقامة، والضم للقدس العاصمة، ونهب العقارات، والسيطرة عليها من قبل المنظمات الصهيونية المتطرفة برعاية حكومات إسرائيل المتعاقبة، ووضع اليد على أراضي الوقف، وفرض الوجود العسكري والأمني على الاغوار الفلسطينية، ومواصلة عمليات الاعتقال والقتل للمواطنين الأبرياء والعزل بحجج وذرائع واهية، والاجتياحات والاقتحامات للمسجد الأقصى والحوض المقدس، وآخرها العمل بشكل حثيث لتدمير أولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين الشريفين، وغيرها من الأساليب والانتهاكات وجرائم الحرب والابادة لأبناء الشعب الفلسطيني، وسن القوانين العنصرية لتعميق العملية الاستعمارية في الوطن الفلسطيني، وعلى حساب الكيانية الوطنية، وتصفية الاتفاقات المبرمة مع منظمة التحرير الفلسطينية وخاصة اتفاقية أوسلو ومرفقاتها وصولا لإقامة دولة إسرائيل الكاملة على فلسطين التاريخية من النهر الى البحر.
وفي حرب دولة إسرائيل النازية على أبناء الشعب الفلسطيني من الجنوب الى الشمال والشرق والغرب، تقوم حكومة نتنياهو السادسة قبل 7 تشرين اول 2023 وبعده بالإبادة الجماعية في قطاع غزة للشهر ال11، وبالتوازي مع ذلك وسعت عمليات القتل في الضفة الفلسطينية حيث فاق العدد منذ 7 تشرين الأول / أكتوبر الماضي 650 شهيدا، وما يزيد 4500 جريح، وما يفوق عن 10000 الاف معتقل، واجتياحات متعاظمة للمحافظات والمدن والقرى والمخيمات، وتقطيع أوصال الترابط بينها، والتكامل بين الجيش والأجهزة الأمنية الإسرائيلية وقطعان المستعمرين في حرق وتدمير البيوت والمعابد والطرق والمزارع والسيارات والمتاجر بشكل منهجي وبالأسلحة كافة بما فيها الطيران الحربي والمروحي والمسير.
وبالأمس الأربعاء 28 آب / أغسطس الحالي قامت فرقة عسكرية كاملة باجتياح 3 محافظات في شمال الضفة الفلسطينية: طولكرم وجنين وطوباس تحت اسم "المخيم الصيفي" في أوسع عملية عسكرية منذ اجتياح عام 2002، أي عملية "السور الواقي"، حسب ما ذكره الجيش الإسرائيلي، والذريعة وفق القناة "14" العبرية "ضرب الشمال واقتلاع جذور الإرهاب"، ووفق ذريعة يسرائيل كاتس، وزير الخارجية أن الاستهداف الأساسي سعي "إيران لإنشاء جبهة ضد إسرائيل في الضفة الغربية، على غرار غزة ولبنان، من خلال تمويل وتسليح المقاتلين، مؤكدا ضرورة أن يتعامل الجيش مع التهديد بنفس الطريقة التي يتعامل بها مع غزة بما في ذلك الاجلاء المؤقت للسكان."
ونجم عن الاجتياح الجاري لمحافظات الشمال سقوط 10 شهداء، ونحو 15 جريحا حتى إعداد هذا المقال، وللحؤول دون تقديم الخدمات الطبية الضرورية للجرحى، حيث قامت قوات الجيش بمنع وصول سيارات الإسعاف للمستشفيات في المدن الفلسطينية، وتم اغلاق بوابات المدن والقرى والمخيمات بالحواجز العسكرية والسواتر الترابية والمراقبة الجوية، ونشر القناصة على أسطح المباني لاستهداف المواطنين، وأطلقت الرصاص على السيارات المدنية.
وتكمن خلفيات واهداف الاجتياح الجديد في: أولا توسيع الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني في أرجاء أراضي دولة فلسطين المحتلة، ودفع الأمور في الضفة الفلسطينية عموما لحافة الهاوية؛ ثانيا مقدمة لتوسيع نطاق الاجتياح لأراضي دولة فلسطين المحتلة، ثالثا دفع المواطنين الفلسطينيين للتهجير القسري، تحقيقا لهدف التطهير العرقي الشامل للأردن وغيرها من الدول؛ رابعا توسيع وتعميق الاستيطان الاستعماري في مختلف المحافظات الفلسطينية؛ خامسا تبديد وتصفية الكيانية الفلسطينية بشكل متدحرج، وخنق أية إمكانية لنهوضها وتطورها، ومنع إقامة دولة فلسطينية بين البحر والنهر؛ سادسا التايصيل لإقامة دولة يهودا "إسرائيل الكاملة" على فلسطين التاريخية.
ويأتي هذا الاجتياح الخطير نتيجة جملة من العوامل، منها: أولا الحماية والدعم الأميركي الكامل لدولة إسرائيل النازية؛ ثانيا عدم تمكن المجتمع الدولي من وقف استباحة وابادة حكومة نتنياهو للشعب الفلسطيني، وبقاءه يراوح في دائرة الشجب والاستنكار، وعدم ارتقائه لتمثل دوره في تطبيق القانون الدولي والقانون الإنساني الدولي، وفرض العقوبات الديبلوماسية والاقتصادية والتجارية والمالية على الدولة العبرية؛ ثالثا غياب الدور العربي الرسمي الفعال في مواجهة التحدي الإسرائيلي لأهل النظام السياسي العربي، وعدم استثمار أوراق القوة العربية، وهي كثيرة، ولديها الإمكانية لإلزام إسرائيل بوقف حربها على الشعب الفلسطيني؛ رابعا غياب الوحدة الفلسطينية، والفشل في تصعيد المقاومة الشعبية المنظمة والواسعة وفق خطة ورؤية وطنية شاملة. وغيرها من العوامل.