يبدو أن جوهر قرار العدل الدولية حول "ماهية الاحتلال" لأرض دولة فلسطين، لم يصل بعد إلى تفكير "المؤسسة الرسمية الفلسطينية"، واكتفت بالحديث "الانتصاري" عن القرار لتجلس على قارعة طريق الانتظار مبادرة الأمم المتحدة، بأن تفعل ما يمكن فعله، في ظل سطوة أمريكية استعمارية مطلقة على جوهر مسارها التنفيذي.
ورغم "القيمة التاريخية" لفتوى محكمة العدل الدولية في يوليو 2024، حول لا شرعية احتلال أرض فلسطين، فما زالت المؤسسة الفلسطينية تتعامل مع الاحتلال بطريقة لا تستقيم مطلقا مع جوهر الفتوى غير المسبوقة، خاصة مع قيام العدو بأوسع عملية تهويد في زمن قصير منذ العام 1967.
خلال الحرب العدوانية على قطاع غزة، اعتقد "البعض الفلسطيني"، أو ربما وقع في "كمين أمريكي" بأنها ليست سوى رد فعل على "كمين" 7 أكتوبر 2023، فاستكان مترقبا، وكأن مسار الحرب ليس فوق جنوب دولة فلسطين المحتلة، وبأن خطفه لا يلغي حقيقته السياسية، فوقف منتظرا عله يجد نفق العودة في أخر المسار.
تلك الانتظارية كانت بداية سقوط وطني من نوع جديد، جسدته أخطر عملية نالت جوهر العلاقة الجينية لشعب فلسطين، وحدة الفعل الكفاحي، أي كانت ظروف الواقع وحقيقته، فبدأ وكأن شمال "بقايا الوطن" يقف متابعا لحرب "الإبادة الجماعية" التي تجري فوق أرض جنوب "بقايا الوطن"، مع صيحات التصفيق بين حين وآخر على نغمة قنوات التضليل التي حققت للعدو أهدافا ما توقعها.
لم تكتف دولة العدو خلال حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة بعمليات التهويد المتسارع والمنظم في القدس والضفة، وبعد قياسها "رد الفعل" على حربها التهويدية بلا تكلفة حقيقية عليها، سوى شكاوي يومية وتهديدات لا تنتهي بأن الوضع لن يستمر، لجأت إلى خيار تصعيدي عسكري في الضفة الغربية، اختارت لها مثلث في جنين وطولكرم ونابلس، طريقا عسكريا لفرض واقع سياسي لتنفيذ قرار "الكنيست" يوليو 2024، الذي اعتبر وجود دولة فلسطين سيشكل "خطرا وجوديا على دولة إسرائيل ومواطنيها".
حرب التهويد وحرب التصعيد العسكري التي تنفذها دولة الفاشية اليهودية في الضفة والقدس، بالتوازي مع حرب "الإبادة الجماعية" في قطاع غزة قضية مركزية في دولة الكيان، التي أكدت بقرار الكنيست أن القضية المركزية هي عملية "احلال مشروع التهويد الشامل " بديلا للمشروع الكياني الفلسطيني، بعيدا عما يقال من فعل ورد فعل، فذلك ليس سوى تضليل مركب.
كان متوقعا، وبعد تأخير قراءة جوهر الحرب العدوانية على قطاع غزة أن تسارع المؤسسة الرسمية للاستعداد الوطني العام لمواجهة القادم في الضفة والقدس، بكل ما لها سبلا ممكنة أو مخزونة في وعي الشعب الفلسطيني، وتدرك بأن عبارة "كن مستعدا" ليس ترفا كشفيا، بل هي رافعة الوجود الوطني.
ما قامت به دولة العدو في الضفة الغربية والقدس ليس "فخا" لجلب مواجهة مع قوات السلطة الفلسطينية، وهي ليست "كمينا" يراد لها أن تخرجها عن "سكونها العلني"، بل هي حرب عدوانية شاملة تكميلية لحرب الإبادة في قطاع غزة، تهدف لمحو مشروع الكيانية الفلسطينية واستبداله بكيانية تهودية.
ألا ترى المؤسسة الرسمية الفلسطينية جوهر التطورات الأخيرة فتلك كارثة سياسية كبرى، وخدمة غير متوقعة لتسريع تمرير مخطط دولة العدو الاحلالي، على حساب دولة فلسطين.
من مستحيلات الزمن الراهن مطالبة الرسمية الفلسطينية بحملة "غضب ثوري شامل"، لكن ليس لها حقا بإشاعة "العقلانية الجبانة" كسلاح "ثوري" بديل، تحت مظلة "الواقعية"..فذلك هو طريق جهنم لحرق الأمل الكياني الأول.