بعدما أعلن جيش العدو الاحلالي، وصوله إلى 6 جثث من "رهائن" يهودية بينهم أمريكي في قطاع غزة، خرج الرئيس الأمريكي بايدن ببيان ينعي فيه مواطنه هيرش غولدبرغ.
قد يكون من "واجب" الرئيس الأمريكي أن ينعى أحد رعاياه، رغم أنه قاتل في صفوف جيش يحتل أرض وشعب بغير حق، ولكن ما قاله في البيان كان ملفتا جدا، "أنا مدمر وغاضب..لا تخطئوا، سيدفع قادة حماس ثمن هذه الجرائم"، لغة كان لها أن تصدر عن "صحفي مبتدئ" تعاطفا مع الحدث، دون تفكير فيما كان سبب الحدث.
ولكن، أن يصل رئيس الولايات المتحدة إلى وصف ذاته، بأنه "مدمر وغاضب" ويهدد قيادات حماس بدفع الثمن، متجاهلا الحرب الإبادية الشاملة في قطاع غزة، أدت لمقتل وفقدان وجرح ما يقارب الـ 200 ألف فلسطيني، ومعها تدمير كل مظاهر الحياة الإنسانية ومستقبل من يبقى لسنوات قادمة، لا تثير غريزة الغضب البايدني ولا يتدمر حزنا، ولا يصل إلى تهديد مرتكبي جرائم حرب الإبادة الجماعية.
بيان بايدن، هو النموذج الأسطع لتأكيد المؤكد، بأن حرب الإبادة الجماعية والعدوانية على قطاع غزة، لم تكن يوما حربا بيد دولة الكيان وحدها، بل حرب أمريكية أولا تشاركها الفاشية اليهودية نحو إعادة صياغة المشهد الإقليمي العام، وفقا لتطورات استراتيجية أدت لاهتزاز المعادلة التاريخية، بهيمنة الولايات المتحدة الرئيسية على سوق الحياة في الشرق الأوسط.
أن يحزن بايدن لمقتل مواطن أمريكي، فتلك مسألة بينه وبينه أسرته، لكن أن يهدد حماس بالعقاب دون أن يرى ما حدث طوال الـ 331 يوم من قطف الحياة الإنسانية في قطاع غزة، وإخراجه لسنوات من الجغرافيا البشرية، توازيا مع مشروع تهويدي لإزاحة الوجود الكياني الفلسطيني في الضفة والقدس، فتلك هي "أم الجرائم"، والتي يجب أن تصبح جزءا من المعركة القانونية المقبلة.
إعادة صياغة الحديث عن حرب الإبادة الجماعية يجب أن تشمل الولايات المتحدة، إلى جانب دولة الكيان، كونها الشريك المباشر في تنفيذ الحرب العدوانية الأوسع، تسليحا وتخطيطا ومشاركة، وهناك من الوثائق ما يكفي لتأكيد ذلك، بل أن رئيس أركان الجيش الأمريكي براون، وبخ جيش الاحتلال لسوء تنفيذ الخطة المشتركة في قطاع غزة.
لا تترك أمريكا لحظة زمنية، دون أن تعلن شراكتها في حرب الإبادة ضد فلسطين المشروع والوجود، في الضفة والقدس وقطاع غزة، مقابل تجاهل لتلك "الحقيقة المطلقة" من قبل الرسمية الفلسطينية، وكذا الرسمية العربية، بل يصل البعض العربي إلى تقديم "آيات التقدير والعرفان" للشريك الأكبر في حرب إبادة الفلسطيني.
إعادة تصويب الرؤية السياسية – الإعلامية باعتبار الولايات المتحدة شريكا مباشرا في حرب الإبادة ضد فلسطين، ضرورة لا تستوجب التردد والالتباس، لو أن الأمر حقا يراد له "مواجهة" لمنع استكمال المشروع الأخطر على القضية الوطنية الفلسطينية منذ عام 1948.
استمرار وضع "مسافة سياسية" بين موقف الولايات المتحدة ودولة الكيان في الحرب العدوانية الشاملة على المشروع الفلسطيني، هي مساهمة عملية في تمريره، خاصة باستمرار الكذبة التاريخية بلعبها دور"الوسيط"، وهي الشريك الأول في الجرائم الكبرى فوق أرض فلسطين.
ربما لم يعد ممكنا مطالبة الرسمية العربية أن تشارك بخطوات إيذاء حقيقي لدولة العدو، ووقف كل علاقة معها، أو بعض منها كما فعلت دول غير عربية، ولكن لها أن ترفض استكمال مكذبة دور أمريكا الوسيط..فقط تقول لها خلاص.
موقف لا خسارة به سوى كسر لعبة "الاستغماية الغبية" حول دور أمريكا وسيطا أو شريكا..تلك هي بداية طريق الصواب السياسي..افتراضا أنه كان "مفقودا".