إن ثبت بصورةٍ نهائيةٍ استعداد نتنياهو للانسحاب من محور فيلادلفيا، في المرحلة الثانية من المبادرة الأمريكية المؤيدة من الوسطاء، فهذه الخطوة التي رفضها قبل ساعات، تدل على أنه بدء نزوله الأكيد عن عرشه الدموي، الذي أدار منه أكبر وأطول حربٍ في تاريخ الدولة العبرية لدوافع شخصية لا صلة لها بالشعارات السياسية والاستراتيجية التي كان يغلّف بها خطابه.
يفترض أن يكون ذلك بداية سقوط ظاهرة نتنياهو، وإذا كان احتلاله لمحور فيلادلفيا والانسحاب منه، سيعرضه لمسائلة تضاف إلى المسائلات العديدة التي تنتظره، فإن ما بدأ بفيلادلفي يفترض أن يتواصل في أماكن أخرى، تبدأ بغزة كلها لتصل إلى الاحتلال كله، الذي دون إنهاءه، فلن تتوقف الاشتعالات على كل الساحات القريبة والبعيدة.
الانسحاب من فيلادلفيا سواء تم في المرحلة الأولى أو الثانية أو حتى آخر مرحلة، يجسد التحجيم الفادح لغرور نتنياهو، وادعاءه بأنه سيد القرار في الحرب والسياسة.
لقد تقرر الانسحاب بأمر أمريكي وهذا لا يعفي الإدارة من المسؤولية عن كل ما حدث من موت ودمار، واشتعالات شملت خريطة الشرق الأوسط كله.
لقد كان بوسع الإدارة أن توقف الحرب في أيامها أو شهورها الأولى، إلا أن رهاناتها على قدرة جيش إسرائيل على حسمها، لم تكن فقط رهانات خائبة، بل كلفت الشعب الفلسطيني آلاف الشهداء، وكلفت إسرائيل وأمريكا أثماناً باهظة، وكلفت المنطقة اشتعالات واسعة كادت تصل إلى حرب إقليمية.
هل سيستفيد عرّابو إسرائيل الأمريكيون من دروس هذه الحرب التي سُجّلت باسمهم، أم يواصلون سياساتهم بتجاهل جذر المشاكل في المنطقة الذي هو الاحتلال والاستيطان الإسرائيلي؟
إدارة الأزمات الذي هو نهج أمريكي أثبت خطأه وفداحة خسائره، أمّا حل الأزمات على أساس الشرعية الدولية وأساسها القضية الفلسطينية، فهو الوصفة الوحيدة التي تضع حداً لمسلسل الموت والدمار الذي ينتقل من ساحة إلى أخرى ولا طرف في منأى عن دفع ثمنه.