الخطاب الذي ألقاه رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، مساء أول من أمس، والذي كان الأول بعد استعادة جثث ستة أسرى إسرائيليين، كان متوقعا من قبل عديد من المحللين السياسيين والخبراء بسلوك نتنياهو، ولكن الأخير كان على درجة عالية من الوقاحة بحديث لا يخلو حديثه من التحدي الفظ لأهالي الأسرى والمحتجزين والمعارضين له الذين يطالبون بعقد صفقة تبادل أسرى فورا للإفراج عن المحتجزين الاسرائيليين قبل أن تطالهم يد الموت.
ولكن التحدي الأكبر كان للإدارة الأميركية التي كانت تستعد للإعلان عن نسخة معدلة من صفقة التبادل لعرضها على كل من إسرائيل و»حماس» لأخذها كما هي أو رفضها دون أي تعديل.
الطريقة التي عرض فيها نتنياهو موقفه المعروف من محور فيلادلفيا لا تترك مجالا لأي حوار أو حل وسط في الموضوع الذي يشكل أساس الخلاف بين «حماس» وإسرائيل.
فقد أكد على عدم الرغبة إطلاقا في الانسحاب من المحور لا في المرحلة الأولى من الصفقة ولا في الثانية.
بل شدد على البقاء لأجل بعيد حتى يتم القضاء على حركة حماس وخلق سلطة بديلة في غزة وضمان الأمن الإسرائيلي. أي أن نتنياهو قد أغلق الطريق تماما أمام إمكانية نجاح جهود الإدارة الأميركية والوسطاء العرب في الوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى.
وبهذه الصفعة القوية التي وجهها للرئيس جو بادين وضع الإدارة الأميركية أمام خيارات صعبة، فإن هي أطلقت مبادرتها الجديدة ورفضها نتنياهو فستكون في مواجهة معه.
وهنا يصعب التنبؤ بما ستقدم عليه، فالتجربة مع الرئيس بايدن تقول، إنه أضعف من أن يواجه نتنياهو ويفرض عقوبات أو ضغوطا قوية عليه. وفي كل مرة، كان نتنياهو يرفض بعض تفاصيل الصفقة، كانت واشنطن تذهب باتجاهه وتقوم بالتعديل بما يرضيه، ثم يعيد الكرة وهكذا.
صحيح أن الإدارة الآن في حاجة ماسة للوقت وخاصة لدعم مرشحة الرئاسة عن الحزب الديمقراطي كامالا هاريس. وأنه يجب الانتهاء من قضية الصفقة قبل شهر على الأقل من موعد الانتخابات حتى تستفيد منها.
ولكن يبقى السؤال: كيف يمكن تغيير موقف نتنياهو الذي ظهر مصمما جدا على المضي في موقفه من استمرار احتلال محور فيلادلفيا وأجزاء من قطاع غزة لمدة غير محددة بسقف زمني؟.
الإدارة الأميركية يمكنها اللعب على وتر التناقضات داخل إسرائيل وخاصة مع وجود معارضة شديدة لسياسة نتنياهو. فالمعارضة المتمثلة في عائلات الأسرى والمحتجزين في غزة والأحزاب التي هي غير ممثلة في الحكومة، وجنرالات وساسة سابقين، ورجال أعمال، وإعلاميين، ونخب كثيرة انضمت إليها نقابات العمال ومجالس بلدية وغيرها يمكن أن تكون أداة قوية في يد الولايات المتحدة للضغط على نتنياهو إذا ما أخذت الإدارة الأميركية موقفا حازما ضده مشفوعا بممارسة ضغوط وفرض عقوبات على الحكومة.
في الواقع، ظهر نتنياهو في مؤتمره الصحافي قويا ومصمما أكثر من أي وقت مضى. فهو لم يبدِ أي نوع من الشعور بالذنب لمقتل المحتجزين الستة. بل إنه استخدم المسألة لتبرير عناده في الاحتفاظ بالسيطرة على محور فيلادلفيا. وعدم الذهاب نحو صفقة تبادل جديدة. وعاد للتذكير بمعارضته في السابق لموضوع الانسحاب من هناك.
لقد عبر نتنياهو بوقاحة عن رفضه لرغبة غالبية الجمهور الإسرائيلي والنخب الوازنة بما فيها الجيش ورجالات الأمن الذين اعتبروا أن لا مبرر أمنيا للبقاء في فيلادلفيا، وأن جيش الاحتلال يستطيع العودة متى شاء لاحتلاله من جديد. وهو في مقابل هذا القول يدعي بأن إسرائيل إن خرجت من هناك لن تعود كما حصل في السابق عندما أخلت إسرائيل قطاع غزة من جانب واحد.
نتنياهو يهتم لأمر واحد أكثر من شيء آخر وهو البقاء في الحكم لأطول فترة ممكنة. ولهذا يحرص على بقاء ائتلافه الحاكم. ويعتقد أن الانسحاب من فيلادلفيا سيقوض حكومته، بسبب معارضة زعماء الصهيونية الدينية بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير.
وحتى يعزز سيطرته في الحكومة مقابل الرأي المعارض الوحيد وهو وزير الحرب يوأف غالانت قام بالتصويت على مسألة البقاء في فيلادلفيا وصوت لصالح موقف نتنياهو ١٨ وزيرا بمعارضة وزير الحرب، وامتناع بن غفير عن التصويت بسبب تحفظه على فكرة أي انسحاب من غزة.
المعارضة الإسرائيلية غير الموحدة في قيادة واحدة عجزت عن تغيير موقف نتنياهو ودفعه للقبول بصفقة كان هو من صاغها وتبنتها الولايات المتحدة.
وليس واضحا كيف سيكون مستوى تحركاتها بعد الإضراب الجزئي الذي خاضته قطاعات واسعة من إسرائيل.
ولكن الدور الأميركي مهم في التأثير على حراك المعارضة خاصة إذا أقدمت واشنطن على فرض عقوبات على إسرائيل كما فعلت بريطانيا. فهل ترد واشنطن الصفعة لنتنياهو؟