الكوفية:غزة- محمد جودة: تحل اليوم الذكرى العاشرة لرحيل الشاعر الفلسطيني "سميح القاسم"، ففي شهر آب من العام 2014 رحل الشاعر سميح القاسم عن عالمه وعالمنا وعن القضية الفلسطينية التي قارع طويلاً بقلمه لأجلها، تحديداً في التاسع عشر منه لتؤرخ هذه الأيام الذكرى العاشرة لرحيل شاعر آخر من شعراء المقاومة والقضية الأحق.
ارتبط اسم القاسم بـ"الثورة والمقاومة"
سميح القاسم أحد أهم وأشهر الشعراء العرب والفلسطينيين المعاصرين الذين ارتبط اسمهم بشعر الثورة والمقاومة من داخل أراضي العام 48، رئيس التحرير الفخري لصحيفة كل العرب، عضو سابق في الحزب الشيوعي. ولد لعائلة فلسطينية في مدينة الزرقاء يوم 11 مايو/أيار 1939، وتعلّم في مدارس الرامة والناصرة. وعلّم في إحدى المدارس، ثم انصرف بعدها إلى نشاطه السياسي في الحزب الشيوعي قبل أن يترك الحزب ليتفرغ لعمله الأدبي.
حياته
كانَ والدُهُ ضابطاً برتبةِ رئيس (كابتن) في قوّة حدود شرق الأردن وكانَ الضباط يقيمونَ هناك مع عائلاتهم. حينَ كانت العائلة في طريق العودة إلى فلسطين بالقطار، في غمرة الحرب العالمية الثانية ونظام التعتيم، بكى الطفل سميح فذُعرَ الركَّاب وخافوا أنْ تهتدي إليهم الطائرات الألمانية! وبلغَ بهم الذعر درجة التهديد بقتل الطفل إلى أن اضطر الوالد إلى إشهار سلاحه في وجوههم لردعهم، وحينَ رُوِيَت الحكاية لسميح فيما بعد تركَتْ أثراً عميقاً في نفسه: "حسناً لقد حاولوا إخراسي منذ الطفولة سأريهم سأتكلّم متى أشاء وفي أيّ وقت وبأعلى صَوت، لنْ يقوى أحدٌ على إسكاتي".
وروى بعض شيوخ العائلة، أنَّ جدَّهم الأول خير محمد الحسين كانَ فارساً مِن أسياد القرامطة قَدِمَ مِن شِبه الجزيرة العربية لمقاتلة الروم واستقرَّ به المطاف على سفح جبل حيدَر في فلسطين على مشارف موقع كانَ مستوطنة للروم. وما زالَ الموقع الذي نزل فيه معروفاً إلى اليوم باسم "خلَّة خير" على سفح جبل حيدر الجنوبي.
وآل حسين معروفون بميلهم الشديد إلى الثقافة وفي مقدّمتهم المرحوم المحامي علي حسين الأسعد، رجل القانون والمربي الذي ألّفَ وترجَمَ وأعدَّ القواميس المدرسية وكتَبَ الشِّعر وتوزَّعَتْ جهودُهُ بينَ فلسطين وسوريا ولبنان وأَقامَ معهد الشرق لتعليم اللغات الأجنبية في دمشق.
سُجِن سميح القاسم أكثر من مرة، كما وُضِعَ رهن الإقامة الجبرية والاعتقال المنـزلي وطُرِدَ مِن عمله مرَّات عدّة بسبب نشاطه الشِّعري والسياسي وواجَهَ أكثر مِن تهديد بالقتل، في الوطن وخارجه. اشتغل مُعلماً وعاملاً في خليج حيفا وصحفياً.
شاعر مُكثر يتناول في شعره الكفاح والمعاناة الفلسطينيين، وما أن بلغ الثلاثين حتى كان قد نشر ست مجموعات شعرية حازت على شهرة واسعة في العالم العربي.
كتب سميح القاسم أيضاً عدداً من الروايات، ومن بين اهتماماته إنشاء مسرح فلسطيني يحمل رسالة فنية وثقافية عالية كما يحمل في الوقت نفسه رسالة سياسية قادرة على التأثير في الرأي العام العالمي فيما يتعلّق بالقضية الفلسطينية.
أسهَمَ في تحرير "الغد" و"الاتحاد" ثم ترأسَ تحرير جريدة "هذا العالم" عام 1966. ثُمَّ عادَ للعمل مُحرراً أدبياً في "الاتحاد" وأمين عام تحرير "الجديد" ثمَّ رئيس تحريرها. وأسَّسَ منشورات "عربسك" في حيفا، مع الكاتب عصام خوري سنة 1973، وأدارَ فيما بعد "المؤسسة الشعبية للفنون" في حيفا.
ترأسَ اتحاد الكتاب العرب والاتحاد العام للكتاب العرب الفلسطينيين في فلسطين منذ تأسيسهما. وترأس تحرير الفصلية الثقافية "إضاءات" التي أصدرها بالتعاون مع الكاتب الدكتور نبيه القاسم. وهو اليوم رئيس التحرير الفخري لصحيفة "كل العرب" الصادرة في الناصرة.
صَدَرَ له أكثر من 60 كتاباً في الشعر والقصة والمسرح والمقالة والترجمة، وصدَرتْ أعماله الناجزة في سبعة مجلّدات عن دور نشر عدّة في القدس وبيروت والقاهرة.
تُرجِمَ عددٌ كبير من قصائده إلى الإنجليزية والفرنسية والتركية والروسية والألمانية واليابانية والإسبانية واليونانية والإيطالية والتشيكية والفيتنامية والفارسية والعبرية واللغات الأخرى.
جوائز
حصل سميح القاسم على العديد من الجوائز والدروع وشهادات التقدير وعضوية الشرف في عدّة مؤسسات. فنالَ جائزة:
"غار الشعر" من إسبانيا
وعلى جائزتين من فرنسا عن مختاراته التي ترجمها إلى الفرنسية الشاعر والكاتب المغربي عبد اللطيف اللعبي.
وحصلَ على جائزة البابطين
وحصل مرّتين على "وسام القدس للثقافة" من الرئيس ياسر عرفات
وحصلَ على جائزة نجيب محفوظ من مصر
وجائزة "السلام" من واحة السلام
وجائزة "الشعر" الفلسطينية
في عيون النقد
صدَرتْ في الوطن العربي وفي العالم عدّة كُتب ودراسات نقدية، تناولَت أعمال الشاعر وسيرته الأدبية وإنجازاته وإضافاته الخاصة والمتميّزة، شكلاً ومضموناً، ليصبح كما ترى الشاعرة والباحثة الدكتورة سلمى الخضراء الجيوسي، الشاعر الوحيد الذي تظهر في أعماله ملامح ما بعد الحداثة في الشِّعر العربي. وهو كما يرى الكاتب سهيل كيوان "هوميروس من الصحراء" وهو كما كتبت الشاعرة والباحثة الدكتورة رقية زيدان "قيثارة فلسطين" و"متنبي فلسطين". وسميح القاسم في رأي الشاعر والناقد الدكتور المتوكل طه هو "شاعر العرب الأكبر" ويرى الكاتب محمد علي طه، أن سميح القاسم هو "شاعر العروبة بلا منازع وبلا نقاش وبلا جدل". ويرى الكاتب لطفي بولعابة أن سميح القاسم هو "الشاعر القديس" وبرأي الكاتب عبد المجيد دقنيش أن سميح القاسم هو "سيّد الأبجدية".
ويرى الكاتب والناقد الدكتور نبيه القاسم، أن سميح القاسم هو "الشاعر المبدع، المتجدّد دائماً والمتطوّر أبداً"، وبرأي الكاتب الطيب شلبي فإن سميح القاسم هو "الرجل المتفوّق في قوة مخيلته والتي يصعب أن نجد مثلها لدى شعراء آخرين". واعتبرت الشاعرة والكاتبة آمال موسى، سميح القاسم "مغني الربابة وشاعر الشمس، ويمتلك هذه العمارة وهذه القوة التي تسمح له بأن يكون البطل الدائم في عالمه الشعري".
وجاءَ في تقديم طبعة القدس لأعماله الناجزة عن دار "الهدى" (الطبعة الأولى سنة 1991) ثم عن دار "الجيل" البيروتية و"دار سعاد الصباح" القاهرية: (شاعرنا الكبير سميح القاسم استحقَّ عن جدارة تامة ما أُطلِقَ عليه مِن نعوت وألقاب وفاز به من جوائز عربية وعالمية، فهو "شاعر المقاومة الفلسطينية" وهو "شاعر القومية العربية" وهو "الشاعر العملاق" كما يراهُ الناقد اللبناني محمد دكروب، والشاعر النبوئي، كما كتَبَ المرحوم الدكتور إميل توما، وهو "شاعر الغضب الثوري" على حد تعبير الناقد المصري رجاء النقاش، وهو "شاعر الملاحم"، و"شاعر المواقف الدرامية" و"شاعر الصراع" كما يقول الدكتور عبد الرحمن ياغي، وهو "مارد سُجنَ في قمقم" كما يقول الدكتور ميشال سليمان، وشاعر "البناء الأوركسترالي للقصيدة" على حد تعبير شوقي خميس. أو كما قال الشاعر والناقد اللبناني حبيب صادق: "لسميح القاسم وجه له فرادة النبوّة").
وفاته
توفي الشاعر الفلسطيني سميح القاسم، بعد صراع مع مرض سرطان الكبد الذي داهمه مدة 3 سنوات والذي أدى إلى تدهور حالته الصحية في الأيام الأخيرة حتى وافته المنيه يوم الثلاثاء الموافق 19 أغسطس/آب 2014.