ظاهرة البيانات المتقطعة والانتقائية التي تصدرها الفصائل، وفحواها محض الإدانة مقرونة بعبارات مكررة، لا لزوم لها. أولاً لأن أحداً لا يتهم الفصائل بأنها راضية عن قصف يُودي بحياة شهداء هنا أو هناك، وثانياً لأن الإدانات المنتظرة تكون من حكومات ومؤسسات دولية، لأن الفصائل ليست أطرافاً خارجية أو حيادية يُطلب منها موقف، وثالثاً لأن المفروض في الفصائل أن تتنادى ولو باتصالات هاتفية لــ "إنجاز" منصة أو مكتب صغير لمنظمة التحرير الفلسطينية المُغيّبة، يُصار من خلاله إعداد تقارير يومية مقتضبة، عن جرائم العدو وممارساته لإرسالها باسم منظمة التحرير الفلسطينية، إلى حكومات العالم والمؤسسات الأهلية والأحزاب الوازنة في دول العالم، لكي تأخذ العلم بما جرى في بلادنا، على النحو الذي يزيد عن برقيات الأنباء، ولا بأس من نشر وقائع نشاطها اليومي في وسائل إعلامنا، ورابعاً إحداث تغييرات في الصيغ والنصوص، لشطب العبارات الروتينية الممجوجة المفرغة من المضامين، كتحميل المسؤولية لإسرائيل عن هذا الفعل الإجرامي أو ذاك.
فالعدو يضع توقيعه الرسمي على كل جريمة والعالم ليس غافلاً عن ذلك، ولا ينتظر من الفصائل تحديد المسؤولية عن الجرائم، على أن تبدأ بيانات منظمة التحرير اليومية ـ مثلاً ـ في سياق حرب الإبادة الإجرامية التي تشنها إسرائيل على الشعب الفلسطيني، جرى اليوم كذا وكذا، وتُذكر الوقائع مرقمة.. يعني ـ بالبلدي ـ بلاش هبل، كل عنوان فصائلي ينط في الوقت الذي يريد لكي يقول "نُحمّل المسؤولية" فلا أنتم الذين تحمّلوا المسؤوليات أو الذين تصمتوا عن تحميلها، ولا الدنيا غافلة عن الطرف المسؤول عن الجرائم. اجتمعوا على مجرد مكتب يصدر بياناً يومياً يُترجم الى اللغات العالمية الحية، بإمضاء "المنظمة" على الأقل لكي يكون هناك معنى لمطالباتكم بإصلاح ونهوض منظمة التحرير، واتفقوا على المصطلحات لكي لا تختلفوا على بعض الألفاظ، حتى لو اضطررتم إلى استخدام تسمية إسرائيل بدون وصفها والاكتفاء بوصف أفعالها، باعتبارها مرتكبة الجرائم.
شكل السياق المتعلق ببيانات الفصائل ينم عن مشهد مُختل. فعلى سبيل المثال يصدر اليوم بيان من فصيل صغير يتعلق بشهدائنا اليوم أو أمس في طوباس أو دير البلح، ولا يصدر بيان يُحاكيه من فصائل أخرى أكبر أو أصغر. فما هو شكل المنطق الذي تشتغل به هذه الفصائل، أمام الرأي العام؟.
بالنسبة لحماس، أنصح بأن تقتصد في التصريحات السياسية، طالما أن جعبتها تخلو حتى الآن من فحوى أي خطاب سياسي، إذ لا يستوي أن يطالب بيان يصدر عنها بخرق العدو للقوانين والقرارات الدولية لكي لا يُطالبها متلق خبيث، بقائمة القرارات السياسية الدولية التي تلتزم بها . والله من وراء القصد.