الكوفية:عندما أقرت محكمة العدل الدولية مذكرتها حول ماهية الاحتلال الإسرائيلي لأرض دولة فلسطين يوليو 2024، اعتبرت مختلف القوى السياسية الفلسطينية وكذا العربية، الحكم بمثابة "انتصار تاريخي" للقضية الوطنية الفلسطينية، وصفعة مركبة للولايات المتحدة ودولة الفاشية اليهودية، وطالبوا بالعمل لخلق آلية تنفيذية للمذكرة في أسرع وقت بالأمم المتحدة ومجلس الأمن.
في كلمته لإعلان المذكرة "التاريخية" أشار رئيس المحكمة القاضي اللبناني نواف سلام، إلى أن "الشعب الفلسطيني المعترف به بموجب معاهدة أوسلو بين إسرائيل ومنظمة التحرير له الحق في تقرير مصيره"، اقتباس كان له أن يقف الكثيرين أمامه، ليس بكونه حق معلن، ولكن للدلالة السياسية والقيمة الخاصة لما أكده اتفاق إعلان المبادئ – أوسلو 1993، خاصة ارتباطه بوحدة الضفة الغربية وقطاع جغرافيا والولاية الفلسطينية عليها.
دون العودة لمحاكمة التحالف الأغرب في التاريخ السياسي، بين محاور تبدو متناقضة في مواقفها العامة، لكنها توافقت حول "العداء المطلق لاتفاق أوسلو"، محاور بدأت من الفاشية اليهودية بقيادة نتنياهو- شارون، وبن غفير وسموتريتش وما يمثلون من فرق إرهابية استيطانية، عداء تم تحديده بلا التباس، بأنه "تنازل عن قلب إسرائيل كما يسمونها "يهودا والسامرة" – الضفة الغربية - والقدس"، ومعهم محور ظلامي فكري وسياسي كاره للوطنية الفلسطينية بذات الشعار ولكنه بطريقة مقلوبة، تنازل عن فلسطين.
الحقيقة السياسية في قيمة اتفاق أوسلو، ما اشارت له الفاشية اليهودية، بعدما أدركت أن جوهر المشروع التهويدي قد تم ضربه في مقتل، بتعريف الضفة والقدس مع قطاع غزة بأنها أرض فلسطينية، وهي القضية التي تعود راهنا إلى جدول الأعمال اليهودي العام بطريقة أكثر وضوحا، وربما باتساع دائرة مؤيديها في دولة الكيان.
موضوعيا، أسس الاتفاق بذاتها، لم تعد تمثل الخيار السياسي راهنا، كونها أصبحت جزء من مكونات قرار الأمم المتحدة 19/67 لعام 2012، حول الاعتراف بدولة فلسطين مراقبا، قبل تعزيزه في شهر مايو 2024، وبأغلبية 143 صوتا بقرار يدعم طلب فلسطين للحصول على عضوية كاملة بالأمم المتحدة، ويوصي مجلس الأمن بإعادة النظر في الطلب، كما يحدد طرقا لإعمال حقوق وامتيازات إضافية تتعلق بمشاركة فلسطين بالأمم المتحدة، وهو المسار الذي يتحرك بقوة بعد قرار الوزاري العربي سبتمبر 2024، و بيان لقاء مدريد يوم 13 سبتمبر في ذكري يوم توقيع اتفاق أوسلو بالبيت الأبيض 1993.
ولكن، توقيع اتفاق إعلان المبادئ – أوسلو، يمثل سلاحا سياسيا فكريا، وقوة عملية لمواجهة المحور الفاشي اليهودي والولايات المتحدة، والتي تحاول أن تتهرب من الحقيقة التاريخية، وهي أن التحالف الحاكم في دولة الكيان، هو ذاته الذي اغتال اسحق رابين 4 نوفمبر 1995، باعتباره وقع اتفاقية مع منظمة التحرير وتنازل عن "الضفة والقدس"، اغتيال لا يحتاج لتأكيد من قام به، فكل ما تم كشفه لاحقا أكد أنه نتنياهو وشارون وأحفاد الفاشية اليهودية كبن غفير وسموتريتش هم وراء ذلك الاغتيال، والذي لم يكن اغتيالا لشخصية رابين بقدر ما كان اغتيال لمسار سلام شامل.
ودون الغرق في الرد على "بعض جهلة القراءة السياسية"، أو من كان شريكا في مؤامرة العداء لاتفاق أوسلو لغايات مختلفة، فلا يجب البقاء في دائرة ما له وما عليه، والأهم كيفية استخدام تلك الإشارة التي ذكرها رئيس محكمة العدل الدولية القاضي نواف سلام، وأثارت جنونا في مكونات دولة العدو الوطني والقومي، فالاتفاق بات تاريخا وليس واقعا بعد تطورات قرارات الجمعية العامة لصالح فلسطين الدولة.
فتح ملف اغتيال اتفاق أوسلو من قبل محور الفاشية اليهودية والظلامية، يمثل قوة مضافة للحق الوطني، كون ممثل الشعب الفلسطيني ذهب بعيدا من أجل رسم معالم للحل السياسي وحصار الصراع الإقليمي، وهو ما رفضته أطراف الحكم الآن في الكيان، وللرد الشامل على محاولة بعض أطراف دولية وفي الأساس منها الولايات المتحدة، التي تتلاعب بالوقائع وفقا لخدمة جوهر الهدف التهويدي الاحلالي على حساب المشروع الوطني الفلسطيني.
تنشيط الذاكرة السياسية العالمية، بما كان قيمة مضافة في اتفاق أوسلو، وهو الأول والأخير حتى الآن بين طرفي الصراع فعل هام وواجب، بعد قرارات كنيست دولة الكيان حول دولة فلسطين واعتبارها "خطر وجودي"، وتكريس تهويد الضفة والقدس، ليس باللغة وحدها، ولكن بتغيير معالمها كاملة، مع تطورات جديدة تهدد هوية القدس ومكانتها.
بعد 21 عاما على توقيع الاتفاق، الأول والأخير، بين منظمة التحرير ودولة الكيان واغتياله بيد الفاشية اليهودية في نوفمبر 1995، ودفنه الرسمي بيدها في 11 نوفمبر 2004 باغتيال الخالد المؤسس ياسر عرفات، بات ضروريا مخاطبة العالم حول ذلك المسار، دلالة وقيمة وليس عناصرا ونصوص.