قد لا يكون سهلاً دمج 22 فيلمًا قصيرًا فى فيلم واحد طويل ينافس، أو على الأقل يلقى إقبالاً وقبولاً واسعين، فى مهرجان عالمى كبير مثل أوسكار.
هذا ما فعله المبدع الفلسطينى رشيد مشهراوى فى سلسلة أفلام «من المسافة صفر»، التى صُوِرت وأُنجِزت تحت النار وعلى وقع الإبادة فى قطاع غزة. وبذل مخرجوها والممثلون وغيرهم من العاملين فيها جهودًا تفوق طاقة البشر لتحويل مشروع غير مسبوق فى تاريخ السينما إلى الواقع سعيًا لإلقاء أضواء على بعض أبعاد جرائم الإبادة من زوايا إنسانية متنوعة. اختار مشهراوى 22 مخرجًا من شباب القطاع الواعدين الذين تحمسوا لمشروعه ونجحوا فى إنجازه تحت القصف وفى ظل النزوح المستمر اعتمادًا على أفكار مبتكرة فى معالجة بعض قصص الصمود الأسطورى بعيدًا عن الأخبار والتقارير المصورة التى شاهدها العالم. فهى أفلام روائية أكثر منها تسجيلية أو توثيقية، ولكنها تُسهم بالتأكيد فى توثيق صمود شعب فى مواجهة جرائم إبادة شاملة. ويفيد ما كتبه نقاد فنيون معتبرون عن العمل، الذى عُرض فى مهرجان عماَّن والدار البيضاء، أنه استوفى المعايير الفنية الأساسية، وأن التصوير فيه رائع برغم أنه اعتمد على كاميرات رقمية وهواتف أحيانًا. وعندما نسمع أو نقرأ ما رواه مشهراوى عن الصعوبات التى واجهت إنجاز الأفلام، نتأكد مجددًا من أن الإرهاب الصهيونى الغربى لا يمكن أن يقدر على إسكات أصوات المقاومة بأشكالها المختلفة مهما بلغ إجرامه.
فقد تعاون كل من له علاقة بالسينما داخل القطاع لإتمام التصوير وإنجاز عمليات مونتاج أولية. وأمكن التغلب على انقطاع الكهرباء باستخدام ألواح طاقة شمسية وبطاريات لشحن الحواسب الآلية المحمولة. ونجحوا فى توصيل المادة إلى من تلقوها فى الخارج فقاموا بإكمال ما بُدئ فى الداخل ووضعه فى صورته النهائية. فقد استُكمل المونتاج، وصُححت الألوان، ونُقِح الصوت, وأُضيفت الموسيقى التى قدمها الفنان نصير شمة، ووُضعت الترجمة. إن هذا عمل ليس كمثله عمل. ولهذا فالمتوقع أن يكون حضوره فى هوليوود فى ربيع 2025 فرصةً لتقديم أسطورة غزة للعالم بطريقة إبداعية جديدة تمامًا.