كيف يمكن لدولة واحدة بلا تاريخ وعدد سكانها لا يتجاوز الـ ١٢ مليون نسمة نصفهم من العرب، ومساحتها ضئيلة للغاية أن تبلطج بهذا الشكل طوال عام كامل من دون أن تجد من يردعها؟!
كيف وصلت إسرائيل إلى هذه الحالة، وكيف انحدر العرب إلى هذا المستنقع؟!
كيف يمكن لدولة واحدة تم زرعها عنوة في هذه المنطقة عام ١٩٤٨ أن تمارس الفتوَنة على ٥٥ دولة عربية وإسلامية؟
هذا السؤال يسأله كثير من العرب والمسلمين، صغيرهم وكبيرهم، مثقفهم وجاهلهم، لكن للأسف فإن الإجابات تتعدد بحيث لا يعرف الناس السبب الرئيسي وبالتالي تزيد البلبلة.
عندما كنت صغيراً في المدرسة الإعدادية وبدأت قراءة الصحف ومتابعة الأخبار كنت أتساءل وأتعجب لماذا لا يقوم العرب وعددهم يزيد على الـ ٢٠٠ مليون شخص وقتها بالزحف والدخول إلى فلسطين وتحريرها، ورفع العلم فوق المسجد الأقصى في القدس الشرقية؟!
ثم أدركت حينما كبرت أن الأمور ليست بهذه البساطة والسطحية، الآن وبعد عشرات السنوات وبعد أن تجاوز عدد العرب الـ ٤٠٠ مليون نسمة، فقد زاد الأمر سوءًا وصاروا فعلا مثل «غثاء السيل»، بحيث إن دولة صغيرة جداً مثل إسرائيل ترهبهم وترعبهم وتبتزهم وتبلطج عليهم جهاراً نهاراً.
كيف تجرأت إسرائيل على أن تحول الهاتف العادي إلى وسيلة قتل فورية أو إحداث إصابات وعاهات دائمة؟
السؤال الذي خطر في ذهني بعد تفجيرات «البيجر» في لبنان هو: كيف اتخذ صانع القرار في إسرائيل هذا القرار بمثل هذه السهولة؟
ألم يفكر في العواقب أو الغضب الدولي؟
لكن عرفنا من التسريبات الصحافية أن إسرائيل أعلمت أميركا أنها بصدد تنفيذ عملية في لبنان، وواشنطن تنفي تورطها في العملية أو حتى علمها بها، لكن وبعيداً عن هذه الحيل والألاعيب فإن المعلومة المؤكدة أن أميركا أعلنت أنها حرّكت قواتها البحرية باتجاه شرق المتوسط للدفاع عن إسرائيل حال تعرضها لأي هجمات من إيران أو حزب الله.
من ردود الفعل الدولية والإقليمية على هذه الجريمة غير المسبوقة يمكننا أن نفهم لماذا كان قرار إسرائيل بتنفيذ العملية سهلاً وسريعاً.
الانتقادات الأوروبية كانت خجولة وبعضها حتى لم يرتقِ إلى مستوى الجريمة.
عربياً فإن مصر أدانت الجريمة، ولكن غالبية الردود العربية كانت أكثر خجلاً.
نتنياهو اتخذ قرار عملية «البيجر» وقبلها عملية التدمير الممنهج لقطاع غزة والآن يستدير للضفة الغربية، لأنه أدرك تمام الإدراك أنه محمي من أميركا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، والأهم أيضاً أنه لن يتعرض لأي عقوبات عربية وإسلامية.
لو تأملنا الموقف الفعلي للدول العربية والإسلامية وعددها حوالى ٥٥ دولة، فسوف نكتشف أنه لم يؤثر على إسرائيل، حتى الدول التي أعلنت تعليق التبادل الاقتصادي مع إسرائيل بعد عدوانها على غزة، فقد اكتشفنا أن ذلك لم يكن بصورة حقيقية أو مؤثرة، وبالتالي فإن الرسالة التي وصلت إلى إسرائيل هي أن كل ما يقال مجرد إدانات وبيانات وشجب لفظي، لن يتحول إلى قرارات للتنفيذ.
هل الموقف العربي والإسلامي وليد اللحظة أو حتى هذا العام؟ الإجابة هي لا لأن إسرائيل والولايات المتحدة استثمرا لعقود طويلة حتى وصلا إلى هذه النقطة.
هم للموضوعية كانوا أذكياء، وغالبية العرب كانوا ضعفاء أو منقسمين وأحياناً متواطئين، وبالتالي وصلنا إلى لحظة ما تزال السلطة الفلسطينية وحركة حماس منقسمتين بينما إسرائيل تواصل التدمير الممنهج في الضفة وغزة.
وهنا لا يمكن أن نلوم العدوان الإسرائيلي