- شهداء وجرحى بقصف الاحتلال مجموعة من المواطنين قرب مدخل قرية المصدر وسط قطاع غزة
حاول نتنياهو في لقاءاته الأخيرة أن يقنع جمهوره والإقليم والعالم أيضاً أن إسرائيل استعادت كل ما خسرته بعد السابع من أكتوبر من العام الماضي، فقد أطلق التهديدات وأرسل الرسائل الغاضبة والحادة ورسم لنفسه صورة البطل المنتصر القادر، وربما الزعيم الروحي، وليس السياسي فقط.
السؤال هو: هل تعتقد إسرائيل أنها انتصرت على الإقليم كله؟! هل انتصرت على مقاوميه ومعتدليه، ومحايديه ومتورطيه، بعيديه وقريبيه، فقرائه وأغنيائه؟!
هل تعتقد إسرائيل أنها بما قامت به من قتل واغتيال وتجريف وتجويع وتفريغ وتدمير قد أنهت أزمتها ومعضلتها؟! وأنها بفائض القوة الذي تملكه وفائض الدعم والصمت والتضامن من الحلفاء والأصدقاء، أنها حصلت على ما أرادت من أمن واستقرار وسلام؟!
هل تعتقد إسرائيل فعلاً أنها بهذا الغباء والعناد والتوحش ستحجز لها مكاناً هادئاً وركناً قصياً تحصل فيه على الاعتراف والتطبيع المجاني بسبب الصورة الأخيرة التي رسمتها ككيان غاصب ومجنون ومحتقن؟!
السؤال هو: بعد سنة تقريباً من بدء هذه الموجة العاتية من القتل والتشريد والعدوان، وبعد أن اشتبكت إسرائيل مع كل أطراف العالم وهيئاته الدولية ومنظماته المدنية وتجاوزها لكل الأعراف والقوانين، هل يمكن القول أن إسرائيل بصدد فرض تسوية أمنية على الشعب الفلسطيني واللبناني وباقي الإقليم العربي والإسلامي؟!
هل تعتقد حقاً أنها تستطيع أن تفعل ذلك من خلال إعادة احتلال قطاع غزة بطريقة من الطرق؟! وهل تعتقد حقاً أنها تستطيع انتزاع اعتراف من الإقليم والعالم بسيطرتها على القطاع، سيطرة جزئية أو كلية؟!
فما يقال عن خطة الجنرالات المتمثلة في التفريغ والتجويع والحصار لشمال القطاع، إنما هي الاحتلال البغيض بعينه في أسوأ صوره، وما البقاء في محوري نتساريم وفيلادلفيا ومعبر رفح إلا إعادة انتاج للاحتلال والحصار من جديد.
وليس هذا فقط. فإسرائيل تعتقد فعلاً أنها تستطيع التخلص إلى الأبد من تهديدين استراتيجيين كبيرين هما حزب الله في الشمال وحركة حماس في الجنوب، وتعتقد أيضاً أنها تستطيع توريط إيران أو إضعافها أو حصارها أو تجريدها من مشروعها النووي أو إثارة القلاقل والفتن داخلها، وبالتالي تهدد نظامها الحاكم، إسرائيل تعتقد أنها تستطيع من خلال صورة الغضب والجنون والقتل أن تستعيد كل ما خسرته، وليس هذا فقط، وإنما تعتقد أيضاً أنها تستطيع أن تفرض تسويتها الأمنية كما قلنا، والتسوية الأمنية مقدمة لتغيير الشرق الأوسط كما يقول نتنياهو. الشرق الأوسط الجديد الذي تريده إسرائيل أو تعمل من أجل إقامته يتضمن عدم قيام دولة فلسطينية بل إعادة احتلال، ويتضمن زيادة مساحة إسرائيل في الشمال والجنوب إن استطاعت، ويتضمن إزاحات ديمغرافية، ويتضمن شبكة طرق ومواصلات تشمل سكك حديد وموانئ وطرق طويلة تقطع الجغرافيا لتخلق مرحلة جديدة، ويتضمن الشرق الأوسط الجديد أيضاً إيران بدون نفوذ، وأحزاب بلا أسلحة، وشعوب بلا طموح، وجماعات مدجنة، وسلام مجاني لا يتضمن الحقوق ولا التطلعات، والشرق الأوسط الجديد الذي تسعى إليه إسرائيل هو أن تكون قاعدة وحامية للإقليم وتنوب عن الغرب الاستعماري في حفظ المصالح وضبط السلوك. باختصار شرطي غير محبوب ولكنه مخيف، شرطي فاسد ولكنه يقوم بالمهمة.
وبالمناسبة، فإن فكرة الشرق الأوسط الجديد ليست من بنات أفكار نتنياهو بل هي فكرة قديمة جديدة، وأصلها أمريكي وينفذها الاسرائيلي بنجاح مرة وفشل مرات، وهذه الرؤية التي تدفع المنطقة دماء أبنائها من أجل منعها أو تحققها، رؤية فاسدة وغير صالحة، وتتميز بالتبسيط والجهل والاستعلاء، وهو عطاء رسى على مقاول مغامر مهووس لم يستطع، ولن يستطيع إنجاز المهمة، لأن فكرة الشرق الأوسط الجديد الذي نحلم به ، هو شرق تتمتع كل شعوبه بالأمن والكرامة والاستقلال.