في ضربة موجعة جداً تمكّن الجيش الإسرائيلي من اغتيال قائد «حزب الله» اللبناني حسن نصر الله، مساء الجمعة الماضي، بغارات دمرت المقر المركزي للحزب في الضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت، وهو الأمر الذي أكده الحزب عصر السبت الماضي.
هذا التطور النوعي يثير مجموعة من الملاحظات المبدئية أهمها:
أولاً: كيف تمكنت إسرائيل من الوصول لقادة «حزب الله» الكبار والصغار بلا استثناء تقريباً، وكيف وصلت لغرفة نوم إسماعيل هنيّة في قلب طهران، هل هي خيانات سياسية لبنانية أو إقليمية أو إيرانية، أو جيوش من العملاء الصغار الذين يمدونها بكل المعلومات، أو تجسس إلكتروني إسرائيلي غربي؟!
ثانياً: سواء اتفقنا مع حسن نصر الله أم اختلفنا معه، فهو زعيم سياسي كبير، يتمتع بكاريزما خاصة، جعلته الحاكم الفعلي في لبنان طوال السنوات الماضية. وجعلت «حزب الله» لاعباً مؤثراً في العديد من أحداث المنطقة خصوصاً في سورية وفلسطين واليمن.
ثالثاً: اكتسب نصر الله شعبية جارفة في الشوارع العربية بعد صمود الحزب أمام آلة الحرب الإسرائيلية في ٢٠٠٦، ولـمجرد أن الحزب لم ينكسر وقتها، رغم الدمار الهائل في الضاحية الجنوبية لبيروت، فقد اعتبر كثيرون أن ذلك انتصار كبير له.
رابعاً: مقابل هذه الشعبية، فإن سلاح «حزب الله» الذي يفترض أن يكون موجهاً فقط لمواجهة إسرائيل، تم استخدامه للأسف لحسم صراعات داخلية في لبنان ابتداء من ٢٠٠٨، وبالتالي فإن هذا السلاح صار مؤثراً في الأوضاع الداخلية اللبنانية، الأمر الذي جعل غالبية المكونات السياسية والاجتماعية اللبنانية تدخل في صدام مع الحزب وسلاحه، خصوصاً أن قرار اختيار الرئيس اللبناني صار فعلياً في يد «حزب الله»، والدليل أن هذا المنصب شهد شغوراً أكثر من مرة خصوصاً طوال عامين ونصف العام من ٢٠١٤ - ٢٠١٦. وهذا الأمر تكرر منذ نهاية تشرين الأول ٢٠٢٢ بعد نهاية ولاية ميشيل عون، ولم يسمح الحزب بانتخاب رئيس جديد ما دامت بقية المكونات السياسية لم توافق على مرشحه الأول جبران باسيل رئيس التيار الوطني الحر الذي يقوده عون.
خامساً: جزء من العرب يشعر بتعاطف خاص مع «حزب الله»؛ لأنه يدعم الشعب الفلسطيني في محنته الحالية بالسلاح والتضحيات والدماء، وليس فقط بالكلمات، ودفع الثمن غالياً نتيجة إسناده للمقاومة الفلسطينية منذ ٨ تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، بعد ساعات قليلة على عملية «طوفان الأقصى».
سادساً: جزء كبير أيضاً من العرب لا يشعر بأي نوع من التعاطف مع «حزب الله» بل يراه عدواً، باعتباره - كما يقولون - ذراعاً لإيران، ومجرد أداة مذهبية طائفية في يدها، وينفذ مشروعها الطائفي الفارسي. هؤلاء يقولون: إن الحزب مسؤول عن سقوط العديد من الضحايا العرب السنة في العراق وسورية واليمن، وبعض هؤلاء احتفلوا في الشوارع ليلة الجمعة بمجرد انتشار خبر اغتيال نصر الله.
سابعاً: بعض العرب يختلفون مع حسن نصر الله و»حزب الله»، بسبب تحوله إلى أداة إيرانية، لكن هؤلاء - وخلافاً للفئة السابقة - يقولون: إنه رغم ذلك لا يصح إطلاقاً إثارة هذا الخلاف الآن، في الوقت الذي تدك فيه المقاتلات الصهيونية قادة ومقاتلي الحزب وبيوتهم ومنشآتهم، وهم يحاربون العدوان الإسرائيلي وينصرون الفلسطينيين.
ثامناً: جانب آخر من العرب يقول: إن المنطقة تشهد منذ سنوات صراعاً بين مشروعَين: إسرائيلي وإيراني، وإن ضحية هذا الصراع هم العرب في الأساس، وإن غياب المشروع العربي وانكساره هما السبب فيما وصلت إليه أحوال المنطقة المزرية، وإن إيران لا تنصر العرب حباً فيهم، بل رغبة منها في الهيمنة على المنطقة.
تاسعاً: رغم كل ما سبق، فإن الخطر الأكبر يظل أن إسرائيل كشفت طوال العام الماضي عن حقيقتها العنصرية الهمجية السافرة، وأن هذا الخطر لا يفرّق فعلياً بين سنّي وشيعي وبين عربي معتدل وآخر متشدد، وأن هذا العدوان مصحوب بحماية أميركية كاملة، بل يمكن القول: إنه عدوان أميركي بتنفيذ إسرائيلي شكلي.
عاشراً: اغتيال القادة والشخصيات المؤثرة يلعب بلا شك دوراً مهماً في إضعاف تنظيماتهم، ويؤثر عليها إلى حد ما، لكن كل التنظيمات المشابهة لـ»حزب الله» لم يشهد التاريخ القريب أنها انتهت لمجرد أن قائدها أو قادتها قُتلوا، والسبب أنها قائمة على أيديولوجية وليس على شخص بعينه.
وبالتالي فإن الحزب سوف يتأثر، لكنه رغم الضربات لن يتلاشى كما يتخيل البعض.