بات نتنياهو على شفا حلمه الشيطاني، هكذا تبدو نذر المنطقة والإقليم وهو يضرب في كل الجهات ظناً أنه سيصنع الشرق الأوسط الجديد، فهو واحد من أنبياء التاريخ.. هكذا بلغ به جنون العظمة لإعادة تشكيل التاريخ.
بعد غزة ينتقل للبنان، ولكن الصيد الثمين هناك في طهران حيث ما يعتبره رأس الأخطبوط الذي لا بد من قطعه كما يقول.
عاد أول من أمس لارتداء زي الحداد بعد ثلاثاء هو الأكثر سواداً منذ بداية الحرب، وبعد ضربات متعددة في الداخل وعلى الحدود اللبنانية التي بدا فيها التهديد بالاجتياح البري كورقة تصطدم كما كل الاحتمالات بواقع أصعب كثيراً مما توقعته المخيلة الثملة بغرور القوة جسدتها ضربات شديدة لحزب الله، بدءا من الضربة القاسية بتفجير أجهزة الاستدعاء وصولاً لاغتيال الأمين العام لحزب الله ولم ينتهِ اليوم حتى كانت صافرات الإنذار تتوزع على كل مساحة إسرائيل من حيفا حتى إيلات.
صعدت إسرائيل على الشجرة وهي تحمل إرث الحرب الثانية قبل ثمانية عشر عاماً عندما انكسرت القدم الإسرائيلية على مشارف القرى الحدودية في الجنوب اللبناني، وها هي تعيد جنودها محملين بالأكياس في الساعات والأيام الأولى لمحاولات الدخول البري، "الأربعاء أعلنت عن مقتل ثمانية جنود والخميس صباحاً أربعة جنود" ففي العام 2006 وقفت كوندوليزا رايس مطالبة الجميع بعدم التدخل "لإتاحة الفرصة لإسرائيل لصناعة الشرق الأوسط الجديد".
وفي هذه الحرب ومع محاولات الدخول البري الجديد يلفت عدد القتلى في الجيش الإسرائيلي صحيفة مثل "واشنطن بوست" لتثير تساؤلات حول الهجوم البري.
لم يعد مجال للتشكيك بأن نتنياهو واحد من مجانين التاريخ الذين أشعلوا الحرائق وأحدثوا دماراً على جنباته.
ومن يراقب الأحداث في الشرق الأوسط لا بد بعد هذه الأحداث رغم جسامة الخسارة أن يرى إسرائيل بعد سبعة عقود ونصف العقد تتعرض لكل هذه الضربات يتذكر كيف أن غرور القوة دفعها لرفض كل مبادرات التعايش في المنطقة والتي تبدأ بالحقوق الفلسطينية، وبات أكثر دعاة السلام هم الأكثر تشفياً بإسرائيل كأنهم يقولون لها: إليك البديل.
ليس هناك شك بأن إسرائيل سترد الضربة الإيرانية بضربة أشد، فوصول الصواريخ الإيرانية بهذه الكثافة والدقة أكبر كثيراً من قدرتها على امتصاصها "لأسباب أبعد من الصواريخ نفسها".
فما بالنا عندما نتصور أن هذا هو هدف إسرائيل منذ بداية الحرب بجر إيران للمعركة.
ورغم اعتراض الولايات المتحدة إلا أن تل أبيب تمكنت من الذهاب نحو هدفها ورسم حدود النار.
تهدد طهران التي تنتشي بضربتها بالرد على الرد الإسرائيلي الذي تخطط له الأخيرة والذي لن يكون عادياً أغلب الظن، فالإدارة الأميركية الضعيفة أصلاً في أضعف حالاتها وكان واضحاً أن حكومة إسرائيل تسابق الزمن قبل الانتخابات الأميركية التي تقترب، تكون خلالها أشعلت الحرب الإقليمية الكبرى.
هذا ما يفسره الواقع وتسارع الأحداث منذ نهايات تموز الماضي وقتل رئيس المكتب السياسي لحماس في قلب طهران والضربات المجنونة على حزب الله.
لكن إذا ما توسعت الحرب إلى أين ستصل نيرانها ؟ وإذا كانت الولايات المتحدة ومعها الغرب يصطف إلى جانب إسرائيل ظالمة أو مظلومة فهل لإيران تحالفات دولية ممكن أن تتكئ عليها ؟ فلا يمكن للقوة الإيرانية مهما بلغ تطورها في صناعة الصواريخ محملة على أيديولوجيا صارمة أن تواجه حجم النيران ولا مخازن أسلحة العالم، ولا ما تحمله حاملات الطائرات الأميركية التي جاءت في حال اندلعت مواجهة مع إيران.
السؤال ليس على المجموعات المسلحة التي تقودها إيران في الإقليم فتلك يمكن أن تشاغل لكنها لا تمنع ضرب إيران وبنيتها التحتية واقتصادها ومطاراتها بقوة، بل عن الدول الكبرى التي تتحالف مع إيران مثل الصين وروسيا وتحديداً الأخيرة التي تزودها إيران بالطائرات المسيرة والصواريخ كما قال وزير الخارجية الأميركي.
لكن روسيا الصديقة لإسرائيل لن تكون داعماً لإيران كحليف وإلا لما كان هذا الفارق التكنولوجي بين طهران وتل أبيب وإلا لما اشترى حزب الله أجهزة مخترقة تسببت بمذبحة لم تزوده بها لا موسكو ولا بكين، ومع غياب سلاح طيران فاعل في ظل إنتاج الصين وروسيا لطائرات مقاتلة حديثة ومتطورة وتكنولوجيا فائقة.
لا يعني ذلك أن إسرائيل ستحقق انتصاراً يغير وجه الشرق الأوسط كما الوهم الذي يسكن العقل الإسرائيلي، بل في معركة كبرى ستبدو فيها الصواريخ الإيرانية التي سقطت وفي أماكن عسكرية دقيقة منعت بعدها التصوير والنشر ووضعت سحابة إلكترونية عليها ستكون عينة أمام ما تتعرض له، وحزب الله تلقى ضربات صعبة لكنه لم يستخدم صواريخه الثقيلة بعد ويبدو أن أداءه في الأيام الثلاثة الأخيرة يشي باستعادته للميدان سواء المعارك البرية أو زيادة وتيرة الصواريخ والمسيّرات داخل العمق الإسرائيلي.
أما عن جنون الحلم والوهم وشرق أوسط يتغير لخمسين عاماً فتلك تحتاج مقالة قادمة.