في التصريحات التي أطلقها خالد مشعل، عضو المكتب السياسي لحركة «حماس» ومسؤول ملف الخارج في الحركة، بمناسبة مرور عام على حرب الإبادة، قال: إن «خسائرنا تكتيكية».. ليست فقط مدعاة للاستياء والغضب بل هي كذلك في منتهى الخطورة. فهي ليست زلة لسان وإنما تعبير حقيقي عن أيديولوجية وفكر «حماس» وحركة «الإخوان المسلمين». وهي تعكس نظرة الحركة لقضايا الوطن والشعب. فالوطن بالنسبة للحركات الإسلامية الأصولية ومن بينها «حماس» ليس ذا قيمة، وحسب عقيدتهم فأي مكان يمكن إقامة الإمارة الإسلامية عليه هو الوطن، وليس مهماً إذا كانت فلسطين أو غزة أو أفغانستان أو أي بقعة على الكرة الأرضية. والشعب مشروع شهادة. والمهم بقاء من يحملون الفكر. وهذا ما كان يظهر في تصريحات متكررة لقادة التيار الإسلامي بأن «المقاومة بخير».
في الواقع، لا يعتبر مشعل أن سقوط أكثر من أربعين ألف شهيد فلسطيني جلهم من النساء والأطفال، وحوالى مائة ألف جريح جزء كبير منهم معرض للخطر، عدا الحجم الهائل من الإعاقات ودمار قطاع غزة بالكامل وخسارة كل ما تم بناؤه على مدار عقود طويلة من بنية تحتية واقتصاد وحياة بكل تفاصيلها، وعودة الاحتلال بأبشع صوره للقطاع، خسارةً ذات مغزى، فهي مجرد «خسارة تكتيكية». وحسابات مشعل ورفاقه محصورة فقط في حركة «حماس».
ما قاله مشعل ينسجم تماماً مع ما قاله قبل ذلك موسى أبو مرزوق عضو المكتب السياسي لحركة «حماس»، عندما سئل في مقابلة تلفزيونية عن وضع الناس في غزة الذين تركوا دون ملاجئ آمنة، وأن الأنفاق في غزة مخصصة فقط لحماية عناصر «حماس»، بأن غالبية سكان القطاع هم لاجئون والأمم المتحدة هي المسؤولة عنهم. مع أن «حماس» كانت تعتبر نفسها السلطة الحاكمة في غزة، وكانت مهماتها تجاه المواطنين تنحصر فقط في جباية الأموال والصرف على أعضائها وموظفيها دون تقديم أي مساهمة لا في بنية تحتية أو خدمات للمواطنين، فالصحة والتعليم وجميع الخدمات الحيوية والمشاريع كانت تضطلع بها السلطة في رام الله أو كانت تأتي من خلال تبرعات. فغزة بالنسبة لـ»حماس» الدجاجة التي تبيض ذهباً، وبقاء سيطرتها عليها مرتبطة بفكر الإمارة والمصالح.
يعزز هذه الفرضية ما قاله عضو المكتب السياسي للحركة في قطاع غزة محمود الزهار، الذي تم تسريب فيديو له في أحد لقاءاته في حزيران العام 2019، عندما شرح ماذا تعني فلسطين لهم، بقوله إنه عندما يسمع دولة في حدود 1967 يتقيأ. وأضاف: إن فلسطين بالنسبة لهم مثل السواك وإنها غير ظاهرة على الخارطة وإن مشروعهم أكبر منها بكثير.
دمار قطاع غزة والإبادة التي تعرض لها المواطنون، وما يحدث في الضفة الغربية من عمليات اجتياح وقتل واعتقال، وتدمير بيوت وبنية تحتية، واستيطان وترحيل وتضييق، وتحويل الحياة إلى جحيم لا يطاق، لا يمثل شيئاً مهماً لدى قيادة «حماس»، فهي لا تبالي بما يجري للوطن والشعب. والكارثة ليست فقط في عدم المبالاة بما يحدث في كل أرجاء الوطن، وإنما في محاولة الاستفادة القصوى من هذه الظروف المأساوية. ففي قطاع غزة تتعمد «حماس» الاستيلاء على قسم كبير من المساعدات التي تدخل للقطاع، وليس فقط توزعها على عناصرها بل تخزنها وتبيعها بأسعار أسطورية، وتضيف عبئاً إضافياً على كاهل المواطنين الذين يفتقدون أدنى مقومات الحياة.
بالمناسبة ليس لدى إسرائيل مشكلة في «حماس»، بل في أنها تتجاوز الخطوط الحمراء بمهاجمة مواقع داخل إسرائيل، وهجوم السابع من أكتوبر من العام الماضي كان صدمة لها غير متوقعة. ولكن على المستوى السياسي فهي مريحة أكثر بكثير من منظمة التحرير ومن «فتح» والسلطة، فهؤلاء يطالبون بدولة مستقلة في حدود العام 1967، بينما «حماس» يمكنها أن تكتفي بسلطة في غزة شرط الاعتراف بشرعية وجودها. وعندما سئل بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية، قبل سنوات في اجتماع للجنة المركزية لحزب «الليكود» عن سماحه بدخول الأموال القطرية إلى «حماس» في غزة، قال: من يُرد أن يمنع قيام دولة فلسطينية عليه تقديم الأموال لـ»حماس».
الآن الظروف اختلفت بنظرة إسرائيل لبقاء «حماس» كقوة مسلحة في غزة. وهذا من المفروض أن يجعل «حماس» وقيادتها يفكرون بطريقة مختلفة في الوطن وأن يتقوا الله في الشعب وما يحصل له، وأن ينحازوا للوطنية الفلسطينية ويتحول انتماؤهم لفلسطين الوطن باعتباره الأساس، وليس الانتماء لمجموعة فكرية نحن في إطارها لا نساوي شيئاً مهماً ولا نعدو أكثر من أشياء هامشية لا معنى لخسارتها. وبالنسبة لعدونا فهو لا يريد أن يرانا جميعاً لا معتدلنا ولا متطرفنا.