طلب مني أحد البسطاء أن أشرح له مصطلحين جرت إعادة بعثهما ونشرهما في الشبكات الرقمية بشكل واسع، لأن المصطلحين رددهما القيادي في حركة حماس، خالد مشعل. المصطلحان هما (خسائرنا الباهظة تكتيكية، وخسائر عدونا استراتيجية).
اعتبر هذا القيادي كل المجازر في غزة والضفة الغربية وحرب الإبادة الجارية اليوم في كل الساحات تكتيكات لتحقيق استراتيجية نهائية وهي خسارة إسرائيل!
هل ينطبق مفهوم المصطلحين على ما يجري في فلسطين من حرب إبادة عنصرية، وما حدث لإسرائيل من خسائر؟!
أرجعني هذا السؤال إلى أشهر كتاب ألفه السياسي وزير خارجية حكومة فلورنسا الإيطالية، نيكولو ميكافيللي، وهو صاحب أشهر كتاب في علم السياسة الواقعية «دراسات في علم السياسة» وهو مترجم للعربية باسم (الأمير).
عاش ميكافيللي في القرن السادس عشر، توفي العام 1527 أي قبل سبعة قرون، اعتبر كثيرون هذا الكتاب، أسوأ كتب الديكتاتورية في العالم، حتى أن كثيرين سموه (كتاب الشر) وأطلق عليه آخرون (سفر الطغاة) حتى أن الكنيسة الكاثوليكية جرَّمت نشره وطبعه وترويجه، وهو كتاب عجيب لأنه جاء في صيغة نصيحة لحاكم فلورنسا، كما أنه نشر بعد موت صاحبه بخمس سنوات.
حتى أن الأديب الإنجليزي شكسبير صاحب المسرحيات المشهورة اعتبره رمزاً للشر، في مسرحية (زوجات وندسور الجميلات)، واعتبره كثيرون أيضاً بأنه الكتاب الملهم لهتلر وموسوليني، والأستاذ لمعظم الحكام الدكتاتوريين في العالم، وحفظوا منه أشهر الأقوال في علم السياسة وهي؛ (الغاية تبرر الوسيلة) يُردد الناس هذه المقولة منذ ذلك التاريخ حتى اليوم احتجاجاً وشجباً لأنها ضد العدالة والديموقراطية، إن تعبير الغاية يماثل بالضبط (الاستراتيجية) وتعبير الوسيلة يماثل تعبير التكتيك، مع العلم أن (التكتيك) ليس كلمة عربية، بل هي كلمة لاتينية، Tactic دخلت القواميس العربية في العصر الحديث، تعني الخطة أو الخطط المطلوبة أو الإجراءات المعدة لتنفيذ الغاية، أو الهدف الاستراتيجي الرئيس.
عرَّف قاموس كمبردج التكتيكات بأنها: استخدام وسائل الإغراء والتضليل في مجال الإعلانات لتحقيق هدف ترويج التجارة، وهو مجموعة الخطط المستخدمة في مجال الرياضات البدنية في ألعاب الرياضة كلها لنيل الكأس والربح!
أما في كثير من دول العالم المحكومة بالدكتاتوريين فقد استخدم تعبير (تكتيك) لقمع المعارضين داخل دولهم بهدف تحقيق استراتيجية التطويع، أي تمكين الحكام من رقاب الشعوب وإطالة حكمهم، أي إسعاد الحكام بإشقاء الشعوب!
ولكن هل يمكن تسمية إبادة الشعوب، وهدم الأوطان (خسائر تكتيكية) لتحقيق أهداف تقوية الحكومات والأحزاب؟ وهل صحيح أن التضحية بالشعوب وإبادتها هي تكتيك مُبرَّر يجوز التضحية بها من أجل (استراتيجية) لأن تخسر إسرائيل أعداداً من الجنود وأعداداً من الآليات، وأن تخسر أرباحها في مجال الاقتصاد؟!
معظم الفلسطينيين يؤمنون بأن مخططي هذه الحرب الفلسطينيين لم يضعوا في حسابهم مآسي أهلهم وفواجعهم وتشريدهم وقتلهم، وهم كذلك لم يحسبوا أي حساب لقوة عدوهم وطاقاته وإمكاناته ووسائل دعمه، وردود أفعاله، ولم يكن شعبهم إلا ضحايا للخطة الارتجالية غير محسوبة النتائج، لذلك لا غرابة عندما نسمع من يشبه إبادة الشعب بالخسائر التكتيكية، وهي عنده ليست خسائر كارثية مصيرية، هي فقط تشبه خسارة المتاع وأرصدة البنوك! ما يؤكد أن مقولة التكتيك ليست خطأ عفوياً وإنما هي عقيدة حزبية، أن قيادياً حزبياً آخر ألقى مسؤولية الشعب الفلسطيني غير المقاوم على عاتق الأمم المتحدة (الأونروا)!
كانت اليابان تملك أقوى الجيوش في العالم، كانت دولة استعمارية خاضت حروباً على دول آسيوية مجاورة عديدة، ووجهت أسطولها البحري إلى ميناء بيرل هاربر الأميركي في شهر كانون الأول 1941 أثناء الحرب العالمية الثانية ودمرت عدداً كبيراً من سفن أميركا وطائراتها وقتلت أكثر من ألفين وخمسمائة جندي أميركي، حينها قرر الأميركيون إخضاع اليابان باعتبارها دولة معتدية، دخلت أميركا الحرب فألقت قنبلتين نوويتين على مدينتين، هيروشيما ونجازاكي يوم 6-8-1945. فقتل وحرق مئات آلاف اليابانيين، لم يعتبر الإمبراطور، هيرو هيتو الحائز على سلطة القداسة في اليابان وهو بمثابة إله عند اليابانيين، لم يعتبر مئات آلاف الضحايا خسائر تكتيكية، بل سارع لإعلان استسلام اليابان بعد خمسة أيام فقط من إلقاء القنبلتين 11-8-1945 واعترف بالهزيمة، أوقف القتال ووقع على شروط قاسية، لأنه اعتبر اليابان والشعب الياباني (استراتيجية) ولم يعتبره تكتيكاً للإمبراطور!
كذلك فعل الرئيس عرفات ومناضلو فلسطين في لبنان العام 1982 حين وافقوا على مغادرة لبنان لأنهم اعتبروا لبنان وفلسطين الاستراتيجية وليس التكتيك!