فتحت دولة الكيان الإسرائيلي جبهة جديدة في سياق حروبها المتلاحقة ضد الشعب الفلسطيني، من خلال توجيه تحذير الى البنوك الفلسطينية وغيرها العاملة في فلسطين، بإغلاق كل حسابات خاصة بالأسرى والشهداء، إجراء لا يمثل مفاجئة من عدو يرى ان مكانة الشهيد والأسير تمثل رمزية خاصة في سياق الصراع على أرض فلسطين التاريخية.
التحذير الإسرائيلي أحدث "ضجة سياسية كبرى" بين البنوك من جهة وداخل المجتمع الفلسطيني، وأربك السلطة وحكومتها في رام الله، وفتحت حركة "البيانات الفلسطينية" (الفصائل سابقا) مخازن صواريخها الكلامية ضد البنوك وطنية ام قادمة، بل منها ما أعلن تهديدات علنية ضدها، وبرصد سريع نرى ان غالبية حرب الفصائل الكلامية تركزت على البنوك لتخلق عدوا "وهميا"، وتجاهلت العدو الحقيقي دولة الكيان.
بالتأكيد، يحاول البعض استخدام قضية الأسرى والشهداء كبضاعة سياسية، دون التفكير بكيفية وضع حلول مناسبة، بعيدا عن تحويل مسار الصراع الفعلي، والحذر من اللعبة الإسرائيلية، بخلق جبهة صراع داخلي حول قضية مقدسة، على حساب الاهتمام بالمعركة الكبرى القادمة، معركة التهويد والضم.
كان يجب فورا ان تبادر حكومة السلطة وأجهزتها التنفيذية البحث عن حل عملي، والاستفادة من تجارب سابقة لقطع الطريق على خلق "فتنة خطيرة" تتعلق بعمل البنوك ودورها، بعيدا عن أي ملاحظات حول سياستها الربحية وكسرها ظهر الفقراء، لكن العبث والمساس بمكانتها لن يقدم حلا لقضية الشهداء والأسرى، ولن يكون سوى إضافة لنقاط السواد المتسارعة لإنهاك الفلسطيني.
وكي لا تصبح المتاجرة بالحق مبدأ وكأنه "شرعي" و"وطني"، من المفيد التذكير بما أقدمت عليه سلطة رام الله ورئيسها، يوم ان بحث عن "شعوبية" خادعة بعد فضيحة الصمت على تمرير تهويد القدس ونقل السفارة الأمريكية اليها، برفض استلام أموال المقاصة، وهي مال حلال فلسطيني بحجة أن إسرائيل خصمت منها عشرة مليون هي رواتب الأسرى والشهداء، وفتح باب النفاق العام لتمجيد القرار الخدعة، لتتحول بعدها ذات الجهة تتسول مالا من عدو، بالأصل هو مال الخزينة الفلسطينية، لكنها باتت مجبرة على دفع "خاوة سياسية" للسارق، بدلا من استلام الحق والتصرف في رواتب الأسرى والشهداء بطريقة خلاقة.
لو أن المسألة بحثا عن "حل" للمشكلة، بالتأكيد لن يمر عبر حرب التهديد الكلامية التي انتشرت بسرعة غريبة، مترافقة مع بعض تصرفات تخريبية ضد فروع بنوك في بعض البلدات، بل ان هناك من أطلق الرصاص على مقارها، مع انه لم يطلق الرصاص على قوات الاحتلال المتواجدة قرب المكان.
والسؤال، لو أغلقت البنوك العاملة في فلسطين كل مقارها، وأنهت عملها هل يمكن ان تحل قضية رواتب الأسرى والشهداء، ولو نفذت البنوك أوامر الفصائل ورضخت لها، هل يمكن لتلك البنوك أن تواصل عملها النقدي في فلسطين.
ليس مطلوبا حربا لها هدف حرف مسار الحرب الحقيقية ضد مشروع الضم والتهويد، بل البحث عن سبل حل عملية تكسر أداة التأمر الجديدة، وليفكر البعض في كيفية حلت حركة حماس أزمتها المالية دون أن تهدد البنوك العاملة في قطاع غزة، كونها تعلم يقينا أنه لا يوجد بنك يمكنه قبول حسابات لها، فلجأت الى خطوات عملية منها فتح حسابات عبر "بنك البريد" ليكون هو الحل المباشر والبعيد عن سلطة الاحتلال وارهابه المباشر، ويمنع القيام بأي خطوات انتقامية ضد البنوك العاملة في فلسطين.
ليس كل تطرف يمثل خدمة للوطنية الفلسطينية، بل كثيرا منه كان طعنا في ظهر المسار الكفاحي العام.
لتتوقف حرب الهلوسة البيانية، ولنقطع الطريق على فتنة خلقها العدو القومي، ونعمل على إيجاد حلول بدلا من صراخ ضار وبعضه مشبوه...
ملاحظة: رسالة القيادي الفلسطيني أحمد سعدات من داخل الأسر الى قيادة فتح، درس مكثف جدا في "الوطنية"، ليس للشعبية وما كان منها، بل لقيادة فتح ورئيسها محمود عباس، ان سرقة مال الجبهة من الصندوق القومي لن يكسر موقفها...الوطن ليس مقابل مال!
تنويه خاص: في مفارقة غريبة، تم تعيين القيادية في جماعة الإخوان المسلمين اليمينة توكل كرمان عضو في مجلس إشراف الفيس بوك...وساعات حتى بدأت الحرب ضد المحتوى الفلسطيني...صار بدها توكل على توكل يا متوكلين!