قبل أيام، وبشكل مفاجئ أعلن رئيس حركة حماس إسماعيل هنية، ومن خلال منبر قطر الأهم قناة "الجزيرة"، ان صهر الرئيس الأمريكي ومسؤول الملف السياسي في الشرق الأوسط غاريد كوشنر، أرسل رسالة خاصة الى حركته، ودون معرفة مزيدا من تفاصيلها، اكتفى بالقول أنهم رفضوا الرسالة بسبب "التوقيت"!
بالتأكيد لا يحتاج المتابع لمعرفة أن الرسالة جاءت عبر قطر، بصفتها المفاوض الرسمي عن حركة حماس مع أميركا ودولة الكيان، ولم تثر كثيرا من النقاش رغم قيمتها وخطورتها في آن، وتجاهلتها السلطة الفلسطينية وقيادة فتح، كون معركتهم في حينه كانت لمواجهة "اتفاق التطبيع الثلاثي"، ولا نعرف هل التجاهل عن رسالة سياسية خطيرة، جاء عن "حكمة أم حسبة".وبعدها بأيام وفي مقابلة صحفية أشار القيادي التاريخي في حماس د. موسى أبو مرزوق، الى أن قطر لا خيار لها لمساعدة قطاع غزة سوى الباب الإسرائيلي، مقدما تبريرا حمساويا فريدا، وكأنه يريد القول نحن أمام "تطبيع مقاوم" وآخر "تطبيع خياني"، وقطر راعية التطبيع الأول، وأيضا صمتت السلطة كليا وقيادات فتح عن التعليق حول خطورة ذلك الأمر، علما بأنه يمكن القول أن باب مصر لم يغلق بعد، والأردن بابها مفتوح والأمم المتحدة لها عدة منافذ لو الأمر كيف تصل المساعدات، لكن الذي لم يقله د. موسى أبو مرزوق ان قطر هي الوكيل الرسمي لتنفيذ المشروع التهويدي، من بوابة المال المنقول في حقائب الموساد من الدوحة الى غزة عبر تل أبيب.
وفي يوم 18 سبتمبر جاء الخبر اليقين، في بيان مشترك بين أمريكا وقطر، منح للدوحة امتيازات سياسية محددة وواضحة في المنطقة والإقليم، مقابل 26 مليار دولار يتم استثمارها في الولايات المتحدة، ورغم أهمية البيان الاستراتيجية على التكليف الأمريكي لقطر في المنطقة ورسم أدوارها الخاص، فالمهم للفلسطيني تلك الفقرة الخاصة حول قطاع غزة وخطة ترامب.
البيان المشترك تجاهل كليا القضية الفلسطينية، واختزلها في القلق حول الوضع المعيشي في قطاع غزة وكيفية تحسين مستواها، الى جانب تقريرهم أن "الخطة الأمريكية للسلام" (صفقة ترامب) تمثل الحل التفاوضي للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي.
وهذا أول تكليف رسمي أمريكي علني لقطر في المسألة الفلسطينية، وتوكيلها الاستمرار بدروها الذي كلفت به منذ 2005 مع الانتقال من مرحلة صناعة الانقسام الى تكريس الانقسام وتطوره الى مرحلة الفصل، بعد أن أصبحت صفقة ترامب تمثل لقطر "الحل الرئيسي" للقضية الفلسطينية.
البيان المشترك تجاهل كليا أي إشارة الى السلطة الفلسطينية ورئيسها محمود عباس، أو منظمة التحرير بصفتها التمثيلية، بل انه لم يذكر القضية بذاتها كقضية سياسية سوى في سياق تأكيد الحل وفقا لصفقة ترامب، وهو الاعتراف العربي الأول الرسمي المباشر بتلك الصفقة، التي تقوم جوهريا على تهويد الضفة والقدس، بما فيها خطة الضم وتقسيم الضفة الى سبع محميات تتعايش تحت حكم ذاتي في ظل السيادة الإسرائيلية الأمنية والسياسية.
أن رسالة كوشنر الى قيادة حماس جاءت في سياق المرحلة التنفيذية لتلك الخطة، التي أصبحت قطر هي المكلف بتنفيذها مع طرفي المعادلة الفلسطينية، وترويض حماس لا يحتاج جهدا أو وقتا فهي جزء مباشر من الدور القطري، ولذا كانت تصريحات أبو مرزوق استباقية للدور الجديد.
ويبدو أن التقارب الأخير بين حركتي فتح وحماس، لم يكن من أجل إعادة استنهاض الحالة الشعبية، والتي غابت كليا عن أول نداء لهما، بل مقدمة لمرحلة التنفيذ الجديدة للصفقة الأمريكية، تحت مبررات لن تكون عصية عن صياغتها.
وقد لا يكون مستبعدا أبدا، أن يكون ثمن تمرير الصفقة الأمريكية "حربا محدودة" على قطاع غزة تنتهي بصفقة الفصل بعد منح حماس دور البطولة المطلقة، فيما تقوم إسرائيل بنشر الفوضى الواسعة في الضفة الغربية تذهب لفرض شروطها الخاصة بعد إنهاك فتح، ودخول حماس كجزء من التسوية في تشكيل الحالة السياسية ضمن المحميات السبع.
ولم تكن زيارة هنية الى لبنان والترويج الإعلامي لها واعتباره "البديل القادم" سوى جزء من ترتيبات التنفيذ القادمة، خاصة وأن حماس بدأت فعليا العمل العلني لوراثة تاريخ الثورة والمنظمة، وهي التي كانت جزءا من جبهة مناهضيها.
قطر منذ اليوم باتت هي "القاطرة التنفيذية" لصفقة ترامب، وستكون البداية من "تحسين مستوى المعيشة" في قطاع غزة، وقرضا ماليا كرشوة سياسية للسلطة في رام الله، يمكنها استرجاعه من أموال المقاصة بشكل أو بآخر...
ويبدو الآن أن سبب رفع درجة العداء من بعض الأطراف الفلسطيني مع المحيط العربي، لم يكن حبا في فلسطين كما روجوا، بل تمهيدا لعزلة تفرض على الحالة الفلسطينية، وتبقي بابها مفتوحا عبر الباب القطري تمهيدا للدور الجديد، من صناعة الانقسام الى تكريسه فصلا وضما.
القادم السياسي يحمل كثيرا من الترتيبات "الثورية" و" الخنوعية" كل بحساب، على طريق تحقيق الهدف الرسمي في مشروع التهويد، حكم ذاتي لـ "محميات الضفة السبع" و"نتوء غزة الكياني المستقل".
ولا زال في الأمر بقية....
ملاحظة: معقول أن يخرج بعض الندابين قبل أيام ويقولوا في قطر ما قالوه عن المطبعين...هل ينتصر الوطن على المال..ام ذلك درب من دروب الخيال السياسي...خلينا نشوف يمكن فيهم شوية بقايا موقف!
تنويه خاص: استطلاع مركز البحوث الأخير يحمل من المؤشرات الكثير..لو تم التدقيق فيها لتبين أن حكام بقايا الوطن أصبحوا غير ذي صلة بشعبهم...معقول يفهموها أم كالعادة سيخرجون هتافا : الشعب يحب الزعيم!