بشكل متواتر، سارعت الإدارة الأمريكية بإرسال كوشنر صهر الرئيس ترامب، الى منطقة الخليج، في جولة قد يكون موضوعها "المفاجأة السياسية الكبرى"، حيث أبدت الإدارة المسؤولة عن التهويد العام، حرصا غريبا على تصليح ذات البين بين قطر صاحبة "الدلال السياسي الأمريكي الخاص" ودول خليجية وخاصة السعودية.
بالقطع، لا يمكن التعامل مع "الحرص" الأمريكي المفاجئ، وعشية مغادرة الرئيس ترامب مقر البيت الأبيض، بأنه يأتي في سياق تصويب "خلل" ما حدث منذ سنوات، ودون البحث في تفاصيل تلك الأزمة، فالسؤال الجوهري الذي يبرز وراء ذلك الحراك، ما هو الهدف الذي تريده واشنطن مما تفعل، وهل حقا يمكن التصديق ما تدعي قولا، أنها حريصة على تصحيح مسار خلاف طال أمده؟!
مراقبة الحركة الأمريكية وتوقيتها الزمني والسياسي، تتوافق بالعمل على خلق "ترتيبات إقليمية" جديدة، وخلق وقائع للقادم السياسي، وربما تكوين "مركز" من بعض دول الخليج، تكون السعودية عاموده الأساسي.
بعيدا، عن طبيعة الإدارات الحاكمة في واشنطن، ومن يسكن البيت الأبيض، لكن هناك حقيقة سياسية راسخة لكل الإدارات تتمحور على منع مصر من أن تعود الى ما كانت عليه قبل حرب 1967، وما تبعها من هزيمة سياسية لدورها القومي والإقليمي، مقابل خلق عدة مراكز غير عربية، تمحورت بين دول ثلاثة، إسرائيل، إيران وتركيا، ولا يتعلق الأمر هنا بالشعارات التي تطلقها تلك البلدان، بل بما يمكن لها أن تحد من قيام دولة مركزية إقليمية عربية.
الحركة الأمريكية "المفاجئة"، توازت بشكل واضح مع عودة مصر الى بعض من مكانتها التاريخية، بعيدا عن "السياسة الناصرية"، ولكن بروحها التي صنعت لمصر قاعدة انطلاق مثلت قوة في حصار المشروع الاستعماري المعادي للمنطقة العربية، وهو ما لا يمكن لأمريكا وبعض أدواتها الإقليمية ان تراه وتتفرج بصمت.
عودة مصر تمثل "خطر كامن" على المشروع الأمريكي العام في المنطقة العربية، ليس بالمعني المباشر، كما يرى البعض، بل بالعمق الاستراتيجي الذي بدأت ملامحه تبرز في أكثر من محور وقضية، يمكن ملاحظة أبرزها سريعا:
الملف الليبي: محاصرة "الرؤية الأمريكية – التركية" بمساعدة قطرية، لفرض نظام "تحالف الإخوان" على النظام السياسي، ما يشكل خنجرا ساما في الخاصرة المصرية، وقد نجحت مصر بتعطيل أبعاد "المؤامرة"، وقلب المشهد كليا، بحيث أصبحت القاهرة ركيزة لبناء "ليبيا القادمة".
ملف غاز المتوسط: رغم وجود دولة الكيان ضمن الأطراف الموقعة، الا أن تشكيل ذلك المنتدى، ضربة موجعة لتركيا ومحورها، ومحاولة لخلق قوة اقتصادية لمصر دور الريادة به، ما يسمح لها بتعزيز مكانتها الإقليمية، وبعيدا عن عدم "عدائية" أعضاء المنتدى لأمريكا، بل أن الأعضاء يتمتعون بعلاقات جيدة معه، لكن جوهر الأمر ما سيكون انعكاسه لقوة مصر بذاتها، وليس لموقفها.
الملف الخليجي: رغم أن الحضور المصري ليس مباشرا أو بوضوح كما غيره في ملفات مركزية أخرى، لكن القوة المصرية العسكرية – الأمنية تمثل عمقا استراتيجيا في منطقة باب المندب، والحد من الانتشار الإيراني، وطمأنة بعض دول الخليج، ذات العلاقة المتطورة مع القاهرة، علاقة تظهر حضورا مصريا "هادئا"، لكنه أصبح جزءا من الجغرافيا السياسية في تلك المنطقة، ولا يمكن لأي دولة أن تمارس هوايتها في محاولة تغيير ملامح المشهد مع الوجود المصري.
ملف الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي: بشكل قد يبدو مفاجئا، أعادت مصر محركات قوتها التي هدأت كثيرا، للعمل على صياغة ترتيبات وآليات لحل الصراع الذي لا يمكن للمنطقة أن تشهد استقرارا دون نهايته، فكانت زيارة الرئيس عباس الى القاهرة، وتنسيق عال مع الأردن، الى جانب الرباعية الدولية وفرنسا وألمانيا، حراك يهدف لوضع قواعد مختلفة عما كانت بلورة "حل ممكن"، وهو دور تعارض كليا مع مضمون الحل الأمريكي، وصفقة ترامب.
* ملف السودان وأفريقيا: لسنوات طويلة غابت مصر عن التأثير على المشهد الأفريقي، وارتبكت علاقتها بالسودان، في زمن سنوات التحالف الإخواني وحكم البشير، وضعف دورها كثيرا في القارة الأفريقية، بعد ان كانت مصر عنوان لكل بلدانها، وتمكنت خلال فترة قصيرة من تصويب مسار علاقاتها، وتعزيز مكانتها على طريق استعادة كثيرا من دورها في القارة الأفريقية.
* وهناك ملفات مترابطة دولية، مع روسيا والصين وأوروبا، يمكن ملاحظة تغير طابعها، بحيث بدأت تعيد لمصر بعض من مكانتها المركزية.
ملامح، بروز مصر وعودة مكانتها الإقليمية، يدق "ناقوس" إزعاج حقيقية للمشروع الأمريكي العام، القائم على منع وجود أي دولة عربية بمكانة إقليمية، كما هي إيران، إسرائيل وتركيا، لحسابات استراتيجية، ورغم ما يبدو من تناقض المشهد بين تلك الدول، لكنها لا تمثل تهديد حقيقيا للمصالح الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة.
هل تعيد واشنطن انتاج بعض محاورها القديمة بشكل مستحدث، والعمل على تطويق مصر الدور والمكانة...تلك هي المسألة التي تستحق قراءتها من التطورات الأخيرة، و"وحدوية ترامب" العروبية المفاجئة!
ملاحظة: هتاف شبيبة رام الله، خلال تشييع الطفل الشهيد أبو عليا، فليسقط غصن الزيتون، كان المشهد الأبرز في ذلك الحدث...على قيادة فتح أولا والسلطة ثانيا إعادة قراءة تلك الرسالة جيدا...وقبل الندم السياسي!
تنويه خاص: موظفي قطاع غزة يعيشون حالة "هلع خاصة" على مصير رواتبهم..هل تحضر المساواة أم تستمر حركة "تمييز الراتب العنصري"...الرد بشنطة الوزير الأول وكمبيوتره!