هل العالم العربي مختلف عن الأقاليم والمناطق الأخرى على كوكبنا؟ جلّ البلاد العربية يشترك في الابتلاء بمشكلات من تلك التي تعيي من يداويها. تطول السنون فينسى الناس أصل المشكلة، في الأثناء تتكاثر المعضلات، وفي هذا المسار المنحوس يكون جيل قد شبّ ونما في الضياع.
الجيل قليل، فقل جيلان. الذين ولدوا في العراق سنة 1980، عند اندلاع الحرب الإيرانية العراقية، هم اليوم في سن الأربعين، ولم يتمتعوا بطرفة عين هانئة، فمن حرب إلى حصار إلى غزو واختلال وفتن فتاكة، والله أعلم بساعة انفراج الكروب، بانتهاء الحروب. في تلك الأجواء محال أن يتصور الفرد الذي نبت فيها ولم يعرف غيرها، أن تتكوّن لديه فكرة عن التنمية والانفراج الاجتماعي وفرص الإبداع والمشاركة في القرار. أمّا المشاركة في الفرار، فقطعاً.
تلك التراجيديا المصيرية، التي كان من الضروري البرهنة فيها على الخطر الوجودي بذكر المأساة التي قاساها الأشقاء العراقيون، هي ما يدعو إلى عدم الاستهانة، ولو لمح البصر، بالعمل المشترك، لأن من يتخيل أن المحن العربية صارت خلف ظهورنا، واهم. ما يبعث على الذهول، هو غياب مجموعة من العلوم الإنسانية التي من شأنها إعانة أصحاب القرار، إن وُجد للهاوية قرار، على ابتكار الحلول ولو آنيّة. في المقدمة علما النفس والاجتماع وفروعهما. ثم إننا لا نرى دلائل على شعور المثقفين العرب بالرعب، إزاء مستقبل الثقافة وميادينها في البلدان التي شهدت سنين ثقيلة من الانهيارات في جميع جوانب الحياة العامة. الأضرار أشد فتكاً على صعيد التربية والتعليم، تردّي المناهج التي لم تكن متطورة أصلاً، مدى المزيد من تأخير البحث العلمي، إصابة الزراعة والصناعة في مقتل، جراء عدم تخريج المهندسين والخبراء وانقطاع إمداد المجالات الحيوية بالدماء الجديدة. كل ذلك يتلخص في إطالة مسافة اللحاق بركب العصر. الأسوأ في نهاية المطاف، هو أن العالم العربي سيزداد تفككاً جراء ازدياد بعد الفجوة بين البلدان العربية. على العقلاء أن يدركوا أن الظروف غير المساعدة على العمل المشترك اليوم، ستصير غداً تقاس بالسنين الضوئية. تقبلوا هذه المزحة قبل تحققها.
لزوم ما يلزم: النتيجة التعجبية: ما أعجب ابن حزم القائل «من العجب ترك العجب»، يبدو أنه لا علم له بشيم الأمّة.
"الخليج"