لم يبدأ الانقسام السياسي الفلسطيني بأحداث الاقتتال الداخلي بين حركتيّ فتح وحماس في منتصف شهر يونيو/ حزيران من صيف العام 2007، إنّما هو انقسام تعود جذوره إلى بدايات الانتفاضة الأولى أواخر العام 1987، وتحديداً مع تأسيس حركة حماس التي حملت أيديولوجية ومشروع خاص بها، إذ رفضت الاندماج في منظمة التحرير الفلسطينية.
وبدأت ملامح الانقسام بالظهور بعد إصدار الرئيس محمود عباس مرسوم رئاسي لإجراء الانتخابات التشريعية عام 2006 ، رافضا كل المحاولات التي بذلها عضو اللجنة المركزية لحركة فتح محمد دحلان بضرورة ترتيب الصف الداخلي الفتحاوي قبل الذهاب إلى الانتخابات.
فوز حركة حماس في الانتخابات
مطلع العام 2006 نظمت ثاني انتخابات تشريعية فلسطينية، وهي أول انتخابات تشارك فيها حركة حماس التي حققت مفاجأة بحصد أغلبية المقاعد، في حين دعا الرئيس عباس الحكومة القادمة إلى الالتزام بالاتفاقيات الموقعة مع منظمة التحرير .
بعد رفض الفصائل المشاركة في حكومة حركة حماس، شكلت الحركة حكومتها برئاسة إسماعيل هنية الذي سلم يوم 19 مارس 2006 قائمة للرئيس محمود عباس بأعضاء حكومته، لكن الحكومة قوبلت بشروط الرباعية الدولية المتعلقة في الاعتراف بإسرائيل والالتزام بالاتفاقيات الموقعة بين منظمة التحرير ودولة الاحتلال.
حالة من التوتر والخلافات السياسية سيطرة على المشهد، إلى أن تطورت إلى اشتباكات مسلحة بعد تشكيل وزير الداخلية سعيد صيام، "القوة التنفيذية خار غطار أجهزة الأمن الرسمية، ما أدي إلى الاصطدام مع الأجهزة الأمنية وتنفيذ العديد من عمليات الاغتيال بحق قيادات المؤسسة الأمنية لإضعافها.
وفي هذا الظرف تحركت العديد من الجهات لوقف الاشتباكات بين مسلحي حماس وفتح والأجهزة التابعة لهما، ونجحت هذه التحركات في وقف الاشتباكات وتشكيل لجنة تنسيق وضبط العلاقات بين الطرفين، لكن الأمور عادت مجددا للتوتر والاصطدام.
وثيقة الأسرى
في مايو 2006، أطلقت قيادات الأسرى وثيقة للمصالحة سميت لاحقا بوثيقة الأسرى التي لاقت ترحيبا من جميع الأطراف، وعلى إثرها عُقد مؤتمر الحوار الوطني يوم 25 مايو 2006، ومع ذلك ظل الانقسام قائما ولم تتوقف الاشتباكات المسلحة، وفشلت وساطات عربية عديدة في تهدئة الأوضاع.
وفي ديسمبر من العام2006 دعا الرئيس عباس إلى عقد انتخابات تشريعية مبكرة، إلا أن حركة حماس والفصائل رفضت الدعوة لتنفجر الأوضاع الميدانية مجددا.
اتفاق مكة
مرت أجواء التوتر مع دخول عام 2007، حتى بادر الملك السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز إلى دعوة حركتي فتح وحماس إلى التحاور في مكة، على مدار ثلاثة أيام بين أعلى الهرم القيادي في كلتا الحركتين محمود عباس ومحمد دحلان عن فتح، وخالد مشعل وإسماعيل هنية عن حركة حماس.
وقعت الحركتان على ما بات يعرف بـ"اتفاق مكة" في فبراير 2007، وكلف الرئيس محمود عباس ، إسماعيل هنية بتشكيل الحكومة الحادي عشر "حكومة الوحدة الوطنية"، إلا أن الاتفاق فشل بعد عدة أشهر رغم الأجواء الإيجابية التي رافقت الاعلان عنه.
سقوط غزة
بعد اتفاق مكة بأسابيع قليلة تجددت الاشتباكات بين مسلحي فتح وحماس، خاصة بعد اغتيال بهاء أبو جراد قائد كتائب شهداء الاقصى في شمال غزة، لتنفجر الاواع مجددا وتمتد لجميع محافظات القطاع، وهو ما انتهى بسيطرة حركة حماس على قطاع غزة في 14 يونيو 2007، بالسيطرة على المؤسسات المدنية والأمنية التابعة للسلطة، لنسمع لأول مرة عن مصطلح الانقسام الجغرافي والسياسي.
وحسب إحصائية أعدتها الهيئة الفلسطينية المستقلة لحقوق المواطن، فقد استشهد خلال الفترة المتراوحة بين يناير ونوفمبر في العام 2006 نحو 322 مواطنا منهم 236 في قطاع غزة و86 في الضفة الفلسطينية.
ازدواجية الحكومات
الانقسام بين حركتي فتح وحماس، أدى إلى نشوء سلطتين سياسيتين وتنفيذيتين في صيف العام 2007م في الضفة الفلسطينية وقطاع غزة، إحداهما تحت سيطرة حركة فتح في الضفة، والأخرى تحت سيطرة حركة حماس في قطاع غزة، ما أدى إلى تفاقم الأزمة السياسية التي ارتبطت بعراقيل للانتقال السلمي للسلطة.
وفي رام الله أعلن الرئيس محمود عباس حالة الطوارئ في الأراضي الفلسطينية، وكلف سلام فياض بتشكيل حكومة جديدة، وهو ما رفضته حركة حماس.
تراجع القضية الفلسطينية
ويعتبر الانقسام من النكبات التي تعرض لها الشعب الفلسطيني، والتي أدت تراجع القضية الفلسطينية على المستوي العربي والإقليمي والدولي ، وذلك بسبب انقسام القيادة السياسية وانعدام الرؤية الوطنية الموحدة لتحقيق الأهداف الوطنية، فمن الضروري الذهاب فورا إلى توحيد النظام السياسي وإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني من أجل تجديد الشرعيات الفلسطينية كافة.