في كل مرة يتم فيها إطلاق الصواريخ من المناطق المأهولة، يقوم الناطق باسم جيش الاحتلال بنشر تحذير عاجل قبل الهجوم، يؤكد فيه على قيام المنظمات (..) بإطلاق القذائف الصاروخية من تلك المنطقة، ويطالب السكان بالانتقال فورًا إلى المنطقة الإنسانية، لأن جيش الاحتلال سيعمل بقوة في هذه المنطقة.
بالرغم من أن هذه الصواريخ أصبحت غير ذات قيمة من ناحيةٍ عسكرية، ولا تشكل خطرًا يُذكر على قوات الاحتلال العاملة في الميدان، أو على البلدات الإسرائيلية القريبة من غزة، في ظل احتلال أغلب مناطق القطاع التي باتت تحت السيطرة الاسرائيلية، وأنه لم تعد هناك أي منطقة آمنة يلجأ لها أهالي القطاع، إلا أن جيش الاحتلال قام بتحديد مناطق صنفها بالإنسانية، يطالب الأهالي بالتوجه لها، لضمان عدم تعرضهم للقصف والقتل، لإعطاء انطباعاتٍ للمجتمع الدولي بأن "الجيش الاسرائيلي" أكثر حرصًا على حياة المدنيين الفلسطينيين من مطلقي الصواريخ، بالإضافة لأن هذا الإجراء "التحذير" يعفي جيش الاحتلال من المسؤولية القانونية عن أية أعمال يقوم بها ضد أهالي المنطقة التي تم تحذيرها.
تقول التجارب السابقة أن جيش الاحتلال استخدم القوة المفرطة ضد هذه المناطق، من أجل دفع الناس مستقبلًا الاشتباك مع "مطلقي الصواريخ" ومنعهم من العمل من وسط المناطق، وتقييد حركتهم.
يتسبب إطلاق الصواريخ من المناطق المأهولة بضررٍ كبيرٍ للناس ويجعلهم أمام خيارين:
الأول: الاستجابة لتحذير جيش الاحتلال، واللجوء إلى المنطقة الإنسانية، وهذا في حد ذاته يشكل هزيمة معنوية للناس الذين لا يملكون ترف مقاومة التحذير والبقاء في منازلهم، وأيضًا يسبب ألمًا ومعاناةً في هذا البرد القارس، وفي ظل عدم توفر أماكن مجهزة لاستقبال النازحين، سواء في مراكز الإيواء، أو منازل الأقارب والأصدقاء التي باتت مكتظة بساكنيها.
الثاني: عدم الاستجابة للتحذير، والبقاء في منازلهم، وهذا يعني أن عليهم تحمل تبعات القصف الجوي والمدفعي طالما استمرت عملية الجيش في المنطقة، الأمر الذي قد يعرضهم للاصابة أو الشهادة "الموت".
في كلتا الحالتين: من يدفع الثمن هم المواطنين المنهكين من الجوع والبرد، المحاطين بالموت من كل جانب، هؤلاء الذين كانوا ينتظرون من يمد لهم يد العون والمساعدة، لتعزيز قدرتهم على الصمود في مواجهة آلة الحرب والدمار.
لا أعلم ما هي الحكمة من وراء إطلاق الصواريخ، التي وفي كل مرة تستدعي ردودًا عنيفةً من جانب جيش الاحتلال، ويتخذها ذريعة لقتل أكبر عددٍ ممكنٍ من المدنيين، وقصف المنازل على رؤوس ساكنيها، وتحويلها إلى ركامٍ ودمار، يستحيل معها أي نوع من الحياة.
يقولون: "الحكمة ضالة المؤمن"، وأن النصيحة واجبة، وأن على المؤمن اتباعها والأخذ بها، فلا يجوز لمن يتصدر مشهد المقاومة أن يكون وتحت أي ظرفٍ سببًا في معاناة الناس، وخراب بيوتهم، الأصل أن نأخذ بيد الناس، ونخفف من معاناتهم المستمرة والمتجددة منذ أكثر من خمسة عشر شهرًا، وألا تعطي الذريعة لجيش الاحتلال لاستمرار عدوانه على أبناء شعبنا، وحتى لو كان المقصود من إطلاق الصواريخ مصلحة ما، فإن "درء المفاسد أولى من جلب المصالح".